كان من الضروري والجيد ان تقفل أبواب البرلمان ويعرض وزير المال علي حسن خليل ما لدى وزارته في هذا الموضوع الحساس، وخصوصاً ان الخلاصة التي يسمعها المواطن اللبناني منذ اعوام هي ان "الوضع المالي بات على الحافة"!
على امتداد مسلسل الازمات التي عصفت وتعصف بلبنان لم يسبق ان خصص النواب الاكارم جلسة لمناقشة الوضع المالي وعرض وقائعه، باعتبار ان معظمهم في حال من الاطمئنان الى ودائعهم واستثماراتهم في الخارج، ثم ان البقرة الحلوب، اي الدولة، التي قال الرئيس الياس الهراوي ان ضرعها قد جفّ لا تزال عرضة لمن يجرم فيها العظم بعدما التهم اللحم!
وكان من الضروري ان يسحب الرئيس تمام سلام بعفوية صادقة مخاطر الاوضاع الامنية المتفاقمة على الوضع المالي عندما قال لـ"النهار": "ان الوضع المالي لا يقل خطورة عن الاوضاع الامنية في ظل الظروف الدقيقة والمصيرية التي تمر بها البلاد"، وهذا شيء طبيعي ليس خافياً على أحد، لأن الوضع المالي في اي بلد في العالم يرتبط ارتباطاً عضوياً بأوضاعه الامنية وبعوامل الاستقرار ورسوخ الهدوء فيه، ولهذا حرص سلام على التذكير بأن تفاقم الاوضاع الامنية ينعكس على الوضع المالي في البلاد، وهذا لا يعني بالضرورة ان هناك مستجدات في معادلة ارتباط أوضاعنا المالية بالأمن اللبناني المضطرب!
لكن لأنه "لا يفتى ومالك في المدينة"، جاءت "فتوى" حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حفراً وتنزيلاً وفي مكانها الصحيح وزمانها الملائم، عندما اعلن في احتفال "جمعية الاسواق المالية في لبنان"، ان الاوضاع النقدية في لبنان مستقرة، ولم نشهد في اسواقنا طلباً للتحويل من الليرة الى الدولار، وهذا بالنسبة الى المصرف المركزي معيار اساسي يظهر الثقة بالاقتصاد اللبناني.
هناك اجماع لبناني وخارجي على ان السياسات المالية البارعة التي هندسها رياض سلامة وزملاؤه في المصرف المركزي، هي التي حمت الوضع المالي في البلاد عندما ضرب تسونامي الازمات اقتصادات دول غنية وكبرى، وعلى هذا الاساس عندما يلفت الى وجود إشارات ايجابية في نمو الودائع تصل نسبتها الى 6 في المئة فهذا أمر مهم ومطمئن، وخصوصاً ان ميزان المدفوعات ايجابي.
رياض سلامة لا يقفز فوق الوضع الامني الذي لولا اضطرابه لكان لبنان سويسرا وأحسن، ولا يقول لنا ناموا على حرير وهو يرى النار تشتعل عند الحدود، كما في دواليب التظاهرات المطلبية، الهمايوني منها والمحق، لكنه يحاول ان يسحب ديمة من الاطمئنان النسبي، على الاقل عندما يبلغنا ان موجودات المصرف المركزي من العملات الاجنبية هي الأعلى تاريخياً وقد تجاوزت 38 مليار دولار، إضافة الى مخزون الذهب.
يمكنكم النوم لأن هناك من يسهر في مصرف لبنان.