لأنّ طاعون التطّرف والإرهاب باسم الدين ومذاهبه آخذٌ بالتمدّد والتفشي بأقذع وأفظع صوره في المنطقة والوطن حيث رقد أمس الرقيب علي السيّد شهيداً شاهداً على واحدة من هذه الصور، كان لا بدّ من جبهة التقاءٍ وتلاقٍ بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين أنفسهم، لصدّ هذا الطاعون واستئصال أورامه الخبيثة من النفوس والعقول قبل أن تفتك بالأمة ومقدّراتها. ولهذه الغاية سيكون مفتو المؤسسات الدينية في العالم العربي وعلماؤها، سنّةً وشيعة، على موعد مع ممثلي كنائس الشرق الأوسط والعالم وممثلين عن الفاتكيان في الأزهر الشريف في مصر بين نهاية تشرين الثاني وكانون الأول المقبلين لعقد مؤتمر إسلامي - مسيحي تحت عنوان مواجهة التطرف والإرهاب وتجديد العلاقات الإسلامية - المسيحية، حسبما كشف رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة لـ«المستقبل»، ومن المرتقب أن تصدر عن المؤتمر فتاوى تتقاطع مع دعوة بطاركة الشرق لتحريم وتجريم الاعتداء على المسيحيين وكنائسهم.

الرئيس السنيورة رجّح انعقاد مؤتمر الأزهر على مدى ثلاثة أيام، على أن يُحدد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب موعد انعقاده النهائي في ضوء الاتصالات الجارية مع المدعوين، وأوضح أنّ المؤتمر يهدف إلى «تعميق التعاون بين الطوائف والديانات في مواجهة آفة التطرف والإرهاب»، كاشفاً أنّه سيضمّ، إلى راعي المؤتمر شيخ الأزهر، ممثلين عن المؤسسات الدينية في العالم العربي وممثلين عن المرجع السيّد علي السيستاني في النجف في العراق وآخرين من قم في إيران، إلى جانب ممثلين عن كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي في جنيف.

وعلمت «المستقبل» أنّ فكرة انعقاد المؤتمر كان قد اقترحها السنيورة خلال زيارته الأخيرة للأزهر في آب الفائت برفقة أستاذ الدراسات الإسلامية الدكتور رضوان السيّد ونائب رئيس اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي- المسيحي محمد السمّاك، بحيث جرى بحث مطوّل خلال الزيارة مع شيخ الأزهر بهذا الاقتراح وقد أبدى ترحيبه بالفكرة معرباً عن استعداده لرعايتها وتنفيذها. وبناءً على ذلك تم تشكيل لجنة متابعة لبنانية - مصرية تتولى إعداد وإنجاز التحضيرات العملية لانعقاد المؤتمر.

السيّد

وأوضح الدكتور السيّد لـ«المستقبل» أنّ المؤتمر يهدف إلى «مواجهة التطرف والإرهاب من خلال تجديد العلاقات الإسلامية - المسيحية والعمل على إنهاء الصراع السني الشيعي»، ولفت إلى قيام «لجنة خماسية» مهمتها التحضير لانعقاده وهي مؤلفة من شخصيتين لبنانيين (السيّد والسمّاك) وشخصيتين من الأزهر بالإضافة إلى شخصية قبطية. وكشف السيّد أنّ بابا الأقباط الأنبا تواضروس الثاني حين فوتح بالفكرة خلال زيارة الرئيس السنيورة الأخيرة لمصر أبدى ترحيباً كبيراً بها وأكد مشاركته شخصياً في المؤتمر مثنياً على كونه برعاية الشيخ أحمد الطيّب بالقول: «شيخ الأزهر هو أمل مصر».

وإذ لفت إلى أنّه يعتزم والسمّاك زيارة مصر بعد تسلّم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مقاليد دار الفتوى لمتابعة التحضيرات الجارية لانعقاد المؤتمر مع القيّمين على الأزهر الشريف، أفاد السيّد بأنّ وفد لبنان إلى المؤتمر سيترأسه المفتي دريان وسيشارك في عضويته الرئيس السنيورة إلى جانب كل مفتي المؤسسات الدينية وعلمائها في جميع الدول العربية ووزراء أوقاف وشيوخ، بالإضافة إلى ممثلين عن الفاتيكان وعن كل الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط والعالم.

السمّاك

بدوره، أكد السمّاك لـ«المستقبل» أنّ مؤتمر الأزهر»قد يصدر فتاوى دينية تعتبر أيّ اعتداء على أيّ مسيحي لدينه ومعتقداته بمثابة اعتداء على المسلمين، وأي انتهاك لحرمة أي كنيسة بمثابة انتهاك للمساجد»، مشيراً في هذا المجال إلى أنّ «شيخ الأزهر في طليعة مؤيدي إصدار هذه الفتاوى لكونها تقع في صلب العقيدة الإسلامية».

وأوضح السمّاك أنّ لجنة المتابعة المكلفة التحضير للمؤتمر تتواصل بشكل دوري لتحديد مشاريع البيانات التي ستصدر وأسماء المدعوين، ولفت إلى أنّ الحضور في المؤتمر لن يكون عربياً فحسب بل سيشمل أيضاً شخصيات من تركيا وإيران، واصفاً ما سينتج عن مؤتمر الأزهر بأنه سيشكّل «إنجازاً فقهياً وشرعياً نوعياً».

المطارنة الموارنة

وفي سياق متقاطع، أعرب المطارنة الموارنة خلال اجتماعهم الشهري في الديمان أمس برئاسة البطريرك بشارة بطرس الراعي عن رفضهم «بقوة لكل أشكال التمييز والاضطهاد والتهجير والقتل من قبل جماعات إرهابية تكفيرية تستغل الدين لمصالح ومخططات لا علاقة لها بالقيم الدينية الاسلامية المعروفة»، وضمّوا في هذا السياق صوتهم إلى صوت بطاركة الشرق ليطالبوا «الأسرة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية باتخاذ التدابير اللازمة لوضع حد للواقع المأسوي الجامح والعمل على عودة النازحين إلى ديارهم وإعادة الاستقرار إلى المنطقة».

وفي الشأن الداخلي، هنّأ المطارنة الموارنة بانتخاب الشيخ دريان مفتياً للجمهورية وأشادوا بمضامين الكلمة التي ألقاها إثر انتخابه بالاستناد إلى كونها «تعكس صورة الإسلام السمحة وروح التجربة اللبنانية»، بينما أسفوا في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي «لعجز المجلس النيابي عن الالتئام لانتخاب رئيس للجمهورية».

أما في ملف العسكريين المحتجزين فطالب المطارنة بالإفراج عنهم، ودعوا إلى «الوقوف إلى جانب حكمة الحكومة في التعاطي مع هذا الملف»، شاجبين «في سياق الوحدة الداخلية والعيش المشترك، الأعمال اللامسؤولة التي يرتكبها البعض بخفة ابتغاءً لفتنة طائفية عبر المسّ بالرموز الدينية»، وشددوا على وجوب «ضبط» مثل هذه الأعمال.