ليس كثيراً اذا قلت ان "الداعشية السياسية" في لبنان سبقت داعشية ابو بكر البغدادي، فاذا كانت "داعش" تقدم استعراض الدم والرؤوس المقطوعة، وآخر حلقاته قطع رأس الصحافي الاميركي ستيفن سوتلوف، بعد ذبح الجندي علي السيد، فإن "دواعش السياسة" عندنا يقدمون استعراضاً متسلسلاً لقطع رأس الدستور والقوانين، كانت آخر حلقاته الجلسة الرقم ١١ لقطع رأس النصاب البرلماني لمنع انتخاب رئيس للجمهورية.

داعشية البغدادي تسعى لإقامة الدولة المستحيلة التي تريد اغراق العالم بالدماء، اما الداعشية السياسية فتعمل لإسقاط الدولة اللبنانية القائمة، بما قد يغرق اللبنانيين في الفوضى وربما في الدماء. في دولة البغدادي تقطع رؤوس البشر امام الكاميرات، وفي دولة الدواعش عندنا تقطع رؤوس الوزارات والادارات والمؤسسات والمصالح العامة أمام الكاميرات ايضاً، التي باتت تتسابق للحصول على تفاهات في التصريح وضحالات في الحجة ووقاحات في الموقف وخيانات صارخة في الوطنية.
الرؤوس المقطوعة تملأ ساحات لبنان، وتعالوا نعدّ على الأصابع:
رئاسة الجمهورية مقطوعة الرأس لأن الله (سبحانه في خلقه) لم يعط لهذا البلد السعيد غير كاسر القالب مَن ولدته أمه ليكون رئيساً للبلاد والعباد، ولهذا جاء جواب الرابية سريعاً على مبادرة ١٤ آذار السعي الى رئيس توافقي يفك العقدة ويفتح الطريق أمام انتخاب رئيس للبلاد، بأن حط في الخرج وفالج لا تعالج "انا او لا أحد"!
مجلس النواب مقطوع الرأس بسلامة قلب الرئيس نبيه بري، والمقصود انه عاجز عن انتخاب رئيس وعن التشريع وعن كل شيء باستثناء التمديد مجدداً لأعضائه الميامين، بما يعني عملياً قطع رأس العملية الإنتخابية ودورية التكليف العام، واستطراداً قطع رأس الديموقراطية البرلمانية وقطع رأس اختيار الشعب (وأي شعب وسلام على هذا الشعب)!
الحكومة مقطوعة الرأس وبسلامة قلب الرئيس تمام سلام، والمقصود عملياً هو كومة من القرارات المقطوعة الرأس، التي يفترض في السلطة التنفيذية اتخاذها على وجه العجلة في هذه الأيام الصعبة، ويكفي ان نتذكر مثلاً تداعيات موضوع عرسال والعسكريين المخطوفين عند "النصرة"، ومسألة قطع الطرق للمطالبة بالعمل السريع للإفراج عنهم، ثم قطع الطرق عكسياً لمنع اي إخلاء لموقوفين يطالب بهم الخاطفون!
ان مسلسل الإضرابات المطلبية جعل من لبنان اكبر ساحة في الدنيا للإطارات المشتعلة، ثم مع الإعتصامات والسيطرة على المؤسسات العامة، مثل "مؤسسة كهرباء لبنان" التي يفترض ان تبيعها الدولة خردة لتوفّر ثلاثة مليارات دولار في السنة وتترك الانتاج للشركات الخاصة، وقياساً بمسلسل السلسلة المتسلسل وبغيره من المطالب التي لا تجد من يعالجها، يبدو لبنان من الناقورة الى النهر الكبير ساحة اسطورية لجبال من الرؤوس المقطوعة.
قلْ إن شاء الله!