في الوضع الدقيق والخطير الذي يواجهه لبنان بات على كل القوى السياسية الاساسية في البلاد أن تنتقل من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل انطلاقاً من تصريح لنائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم جاء فيه: "لدينا فرصة للاتفاق بدل انتظار التعليمات وبامكاننا أن نهتم ببلدنا بدل تسخيره لخدمات وطموحات اقليمية، ولولا تسليم البعض رقبته السياسية إلى الآخرين لوجدنا الطريق معبدة للتوافق والوحدة، وان من ينتظر الحلول الاقليمية لمعالجة قضايا لبنان سيطول انتظاره لأن المنطقة هي في حال انعدام وزن وعدم استقرار مسار الحلول فيها. ومن يتوقع هزيمة خصومه بالاجانب فسيجني الخيبة لأن الواقع اللبناني يتطلب حداً من التفاهمات التي يربح منها الجميع، فلا مجال للمغالبة ولا مجال للاستفراد والهيمنة والحل الوحيد هو تفاهم الاطراف المختلفة".
هذا الكلام الجميل الواقعي يحتاج إلى فعل أجمل يبدأ به "حزب الله" لأنه الاقدر والاقوى على تحقيق ما يدعو اليه ويرسم له خريطة طريق لخلاص لبنان خطوطها الكبرى هي:
أولاً: الاسراع في الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لأن انتخابه هو بداية الطريق لحل كل المشكلات بما فيها تشريعات لمصلحة البلد والناس والتصدي للتهديد التكفيري الذي لم يعد على الابواب، إنما أصبح داخلها. ومتى تم انتخاب الرئيس يصير في الامكان تهيئة الاجواء لاجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن يؤمن التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله.
ثانياً: أن يضع "حزب الله" سلاحه في إمرة قيادة الجيش اللبناني خصوصاً أن ثقته وثقة كل اللبنانيين به كبيرة ليستطيع التصدي للجماعات التكفيرية التي تدق ابوابهم ووضع كل سلاح خارج الدولة بإمرة الدولة لأن انتشار السلاح خارجها ظهرت خطورته في غير دولة عربية فكان الاقتتال في ما بينها على المكاسب وعلى السلطة كما هو حاصل في ليبيا، وكان أول ما قرره الرئيس المكلف تشكيل حكومة في العراق إلغاء الميليشيات المسلحة ونزع سلاحها بحيث لا يبقى سلاح لحفظ الأمن والاستقرار سوى سلاح الدولة.
هل يبادر "حزب الله" الى تحقيق ذلك لأنه هو الذي يعطل انتخاب رئيس للجمهورية مع حليفه "التيار الوطني الحر"، هو الذي يجعل الجيش وقوى الامن الداخلي وحدهما في مواجهة "داعش" واخواتها وينتظران وصول الاسلحة المتطورة للتمكن من الانتصار في هذه المواجهة، في حين أن الحزب يستطيع أن يمدهما بهذه الاسلحة وأن يحارب معهما اذا لزم الأمر تحت قيادة الجيش وإمرتها، والا فإن لبنان سيكون مضطراً الى طلب نشر قوات دولية على حدوده مع سوريا لوقف الخطر التكفيري الذي يتهدده، كما اضطر الى طلب هذه القوات لصد العدوان الاسرائيلي. فمقولة ان الحدود مع سوريا الدولة الشقيقة هي غير حدوده مع دولة عدوة هي اسرائيل سقطت بعدما صار على حدوده مع سوريا عدو آخر هو الجماعات التكفيرية الارهابية التي تهدد امن كل المنطقة لا بل أمن كل دول العالم. فإذا لم يتم تحصين حدود لبنان مع سوريا كما صار تحصينها مع اسرائيل بنشر قوات دولية، فإن لبنان سيكون مضطراً الى قبول مساعدة اميركية وغير اميركية كما فعل العراق وكما أبدت سوريا استعدادها لأن تفعل بحيث تتولى طائرات من دون طيار ضرب هذه الجماعات والقضاء عليها قضاء تاماً.
إن حماية لبنان باتت الآن من الاولويات وهي تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية والوقوف صفاً واحداً وراء الجيش وقوى الامن الداخلي في الدفاع عن لبنان بعيداً من التشكيك والمزايدات، حتى إذا ما نسج اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم في تخليص لبنان من خطر "داعش" واخواتها، فإن الفرصة قد تصبح مؤاتية للاتفاق نهائياً على تحييد لبنان عن كل الصراعات تعزيزاً لوحدته الداخلية والعيش المشترك وحفاظاً على السلم الاهلي، وتكون الخطوة الاولى لتأكيد تحييده بانسحاب مقاتلي "حزب الله" من سوريا.
إن الكلمة هي لـ"حزب الله"، فهل يقولها رحمة بلبنان واللبنانيين ليخرج من دائرة القول إلى دائرة الفعل ويسجل له التاريخ عندئذ هذا الموقف الوطني العظيم الذي يعوض كل مواقفه التي لم تكن عظيمة في نظر كثير من اللبنانيين؟