بقطع النظر عما اذا كان البيان الصادر عن تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا - داعش" مفبركاً وغير جدي كما وصفه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، فان التهديدات التي أوردها في حق العسكريين الذين يحتجزهم، معرضاً حياتهم وسلامتهم للخطر، تستدعي عدم الاستخفاف بها والتعامل معها بالجدية والحسم المطلوبين، خصوصا أنها تشكل اعترافاً صريحاً للتنظيم بمسؤولياته وانخراطه المباشر في الحرب على عرسال وتمدده داخل الاراضي اللبنانية.
لا تتوقف مخاطر التهديد "الداعشي" عند هذا الحد، بل تتجاوزه لتطرح اسئلة جدية حول مستوى التعامل الرسمي مع هذا الخطر الذي لم يعد يقتصر على الساحة السورية بل أصبح في عمق الساحة اللبنانية التي تعيش حالاً من الفراغ القاتل لا تملأه الحركة السياسية الداخلية او المبادرات الهادفة الى خرق الجمود الحاصل.
وفي حين يقلل المسؤولون اللبنانيون من المخاطر المترتبة عن هذا التمدد في اتجاه لبنان، بدا أن تنامي النفوذ "الداعشي" في المنطقة قد دفع الى تعجيل التواصل بين المملكة العربية السعودية وايران حيث شكلت زيارة مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان الى جدة ولقاؤه وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل خطوة متقدمة نحو خرق القطيعة القائمة بين البلدين، بما يمهد لخطوات أكثر تقدماً خصوصا أن موضوع البحث الاساسي الذي أعلن عنه تمثل في مواجهة التطرف والارهاب، على خلفية التمدد "الداعشي"، باعتبار أن هذا الخطر وسّع الشرخ بين المملكة وايران، وقد جاءت خطوة اطاحة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بقبول ايراني لتعيد العمل على تضييق الشرخ.
وفي رأي مصادر سياسية مراقبة أن طهران اوفدت عبد اللهيان في خطوة جس نبض تتوج بلقاء مرتقب بين الفيصل ووزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف طال انتظاره منذ اعلان الاخير عزمه على زيارة المملكة عقب انتخاب الرئيس حسن روحاني واعلانه سياسة انفتاحية على دول المنطقة.
وتولي المصادر السياسية أهمية لأي تقارب سعودي - ايراني لما سيكون له من انعكاسات على الساحة اللبنانية المتأثرة بشكل مباشر بالصراع القائم بين البلدين.
وتتوقع المصادر أن يترجم مثل هذا التقارب، اذا حصل قريباً، تحريكاً للملفات اللبنانية والاستحقاقات العالقة.
وتقول انه مثلما بادرت المملكة الى تقديم الدعم المالي الى الجيش وتكليف الرئيس سعد الحريري آلية صرفه مع المسؤولين اللبنانيين، ينتظر أن يكون لايران مبادرة في اتجاه حلفائها في لبنان.
وتؤكد المصادر أن من شأن أي مبادرة ايرانية اليوم أن تنسحب تقاربا على المستوى المحلي بين تيار "المستقبل" بقيادة الحريري وبين "حزب الله" بقيادة امينه العام السيد حسن نصر الله.
ويعزز هذا التوجه معلومات ترددت عن نتائج محادثات الحريري الاخيرة في بيروت والذي خرجت بعض القيادات السياسية منها بخلاصة أن الحريري قد وضع مسألة سلاح "حزب الله" جانبا تمهيداً لحوار ثنائي يجمع بينه وبين نصر الله.
وتقلل اوساط "مستقبلية" صحة هذا الكلام من دون أن تقلل من أهمية استعادة الحرارة بين الجانبين، كاشفة عن مبادرة يسعى اليها رئيس المجلس نبيه بري في هذا الاتجاه، خصوصا وأن الجانبين يعيان أهمية عودة التواصل في ما بينهما لتنفيس الاحتقان المذهبي وسحب البساط من تحت التمدد الاصولي الذي بلغ أوجه ويكاد يطيح كل أوجه الاعتدال في لبنان. كما ان هذا التوجه يصب في اطار التوجه الخارجي الرامي الى قيام تحالف اقليمي ودولي لمواجهة الحالة "الداعشية" ووأدها قبل تطورها أكثر.
وتضع المصادر الجهود المبذولة حالياً لتحريك الهبة السعودية ووضعها موضع التنفيذ ضمن هذا السياق وذلك من أجل توفير الحد الاقصى الممكن من الدعم للجيش في الظروف الراهنة وفي اطار احتواء أزمة العسكريين المختطفين والتي تهدد اذا طالت أكثر أو اذا نفذت المجموعات الداعشية في لبنان تهديداتها بقتل واحد من هؤلاء كل 3 أيام، بتفجير الوضع مجددا في عرسال، خصوصا أنه تسجل حاليا حالة ذعر لدى اهالي البلدة من عودة حركة المسلحين بما يؤشر الى تحرك النار تحت رماد التهدئة الهشة هناك.