يحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترميم الجسور ما بين المملكة العربيّة السعوديّة وسوريا بمباركةٍ واضحة من موسكو، وضمنيّة من واشنطن.
لم يكن الإجتماع الأخير الذي عقد في جدّة برئاسة وزير الخارجيّة الأمير سعود الفيصل، ومشاركة وزراء خارجية مصر سامح شكري، والإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والقطري خالد العطيّة، ومستشار وزير الخارجية الأردني السفير نواف التل معزولاً عن هذا المناخ.تزامن هذا الإجتماع مع وصول مفتي دمشق الشيخ الفتاح البزم الى القاهرة لمقابلة عدد من الشخصيات الروحيّة والسياسيّة بهدف البحث في «آخر التطورات في سوريا، ودعم بلاده في مواجهة التنظيمات المسلّحة، ومساندة المؤسسات الدينيّة في مصر لعرض حقيقة الإسلام الوسطي، ومواجهة التنظيمات الإرهابيّة التي تمارس القتل والذبح في بلاده، بما يشوّه الإسلام». وترتدي هذه الزيارة طابعاً سياسيّاً، بإعتبار أنّ المفتي من الشخصيات المقرّبة من النظام، وتُعتبر زيارته بادرة إنفتاح على القاهرة في عهد السيسي.
على المقلب الآخر، قرّرت الولايات المتحدة إنشاء شبكات تجسّس في سوريا، لمواجهة «داعش» والمنظمات المتطرّفة، بعدما نأت بنفسها عن التورّط مباشرة في الأزمة منذ إندلاعها. وقرَّر البنتاغون بعد ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي إرسال طائرات تجسّس، وهذا يعني وجود تنسيق مخابراتي سوري - أميركي واضح لتلافي محظورين: الأول تجنيب الطائرات الأميركيّة بطاريات صواريخ أرض - جوّ التي يملكها الرئيس بشّار الأسد. والثاني عدم السماح للطائرات الأميركيّة بالتحليق في الأجواء السوريّة، إلّا بعد التنسيق الكامل معه لأنه يخشى أن تجمع تلك الطائرات معلومات إستخباريّة ثمينة عن قوّاته.
اللافت هو أنّ واشنطن لم تعد متحمّسة للإقتراح الفرنسي القائل بوجوب قيام تحالف دولي لمواجهة الإرهاب «الداعشي»، وهذا ما سبّب إرباكاً لسياسة الرئيس فرنسوا هولاند الخارجيّة. ويرى بعض سفراء المجموعة الأوروبيّة في بيروت أنّ مواجهة الإرهاب هو مجرّد عنوان، فيما تسعى الولايات المتحدة بالتنسيق الضمني مع روسيا الإتحاديّة الى إعادة تقسيم المنطقة إنطلاقاً من العراق تحت شعار محاربة «الداعشيّة» وأخواتها، وقد أعلنها صراحة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بضرورة قيام فيدراليّة في العراق: الأولى كرديّة في الإقليم، والثانية شيعيّة في الجنوب، والثالثة سنّية في الوسط، إلّا أنّ فاعليات من مختلف الطوائف والأقاليم رفضت الفكرة تحسّساً منها بخطورة الأوضاع على الأرض، معتبرة أنّ الفدرلة في ظلّ التشنّجات الطائفيّة والمذهبيّة من شأنها تفتيت العراق وقيام دويلات متناحرة لا تنتهي حروبها إلّا بإضمحلالها.
ومع تهميش فكرة التحالف الدولي، تحاول فرنسا العودة عبر البوابة اللبنانية، ويساعدها على ذلك أنّ لبنان قد أصبح على القائمة بعد أحداث عرسال وأنّه مستهدف، وأنّ الولايات المتحدة قد وضعته في معرض إهتماماتها بعدما قرَّرت التدخل في سوريا تحت شعار مكافحة الإرهاب «الداعشي».
وتستشعر فرنسا تحوّلات مهمة يمكن البناء عليها، منها: بداية إنفتاح مصري بتنسيق واضح مع السعوديّة على نظام الأسد، وبداية إنفتاح أميركي أيضاً، ولو تحت عنوان «التعاون المخابراتي»، وبداية إنفراج في العلاقات الإيرانيّة - السعودية بعد زيارة نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الى الرياض، إثر المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بغداد تحت شعار ضبط إيقاع المفاوضات لتأليف الحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي، ووسط أنباء تتحدّث عن سحب إيران الملف العراقي من يد قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني وإناطة مهمّة الإشراف عليه الى الجنرال حسين همداني.
أمام هذه التطوّرات المتسارعة ترى فرنسا أنّ تمكين لبنان من التصدّي للإرهاب لا يكون فقط بتمكين الجيش، وهي خطوة لم تتحقق بعد على رغم المليارات السعودية المحجوزة، بل بإعادة بناء الدولة والمؤسسات عن طريق الإسراع بإنتخابِ رئيسٍ للجمهوريّة.