برّر وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيطرة داعش على مطار الطبقة في الرقة بانه "عندما رأت القيادة ان هناك خطرا على الجنود افرغت القاعدة وتم سحبهم الى مكان آمن وهذه امور تحدث في كل الدول". هل هذا الانسحاب من حيث توقيته وظروفه هو من اجل تشجيع الدول الغربية والاقليمية على التعاون مع النظام وتاليا تعويمه بالاستناد الى المؤتمر الصحافي الذي عقده المعلم مؤكدا استعداد بلاده للتعاون والتنسيق مع الدول الاقليمية والدولية لمحاربة تنظيم داعش؟ هذا لا يبدو مستبعدا بعد مواقف غربية اميركية واوروبية في عطلة الاسبوع استبعدت احتمال التعاون مع بشار الاسد من اجل محاربة داعش ردا على اقتراحات ومواقف تقول بان حتمية مواجهة داعش تفرض عدم اقتصار ذلك على العراق بل مده الى سوريا. فأتت اتاحة الفرصة امام داعش للسيطرة كليا على محافظة الرقة بمثابة الحافز الذي قد يشجع او يضغط على الدول الغربية من اجل تعديل موقفها بناء على ان تنظيم الدولة الاسلامية يتوسع في سوريا ويسيطر على مدنها كما سيطر على الموصل والمدن السنية العراقية.
وضع المعلم النظام السوري في خط واحد مع القرار الدولي الذي صدر اخيرا عن مجلس الامن تحت الرقم 2270. وهو باعتراف خصومه ومؤيديه يلتقط لحظة مهمة تصب في مصلحته من اجل تثميرها في ما قد يؤدي الى اعادة الاعتبار له والاقرار بشرعيته بعدما آلت الامور في العراق وسوريا الى المنطق الذي رسمه للحرب التي يقودها منذ ثلاثة اعوام ضد شعبه اي محاربة الارهاب بعدما ولد تنظيم الدولة الاسلامية وكبر حجمه وامتد في المنطقة. وقد ضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، جهوده الى جهد النظام في توجيه الدعوة الى الدول الغربية والعربية الى تجاوز موقفها من الاسد والتعاون معه من اجل محاربة داعش. فيما اعلنت الخارجية الالمانية في موازاة موقف روسيا وموقف النظام السوري انها لا تعتزم التعاون مع حكومة الاسد واحياء العلاقات بسبب التهديد الذي يمثله تنظيم داعش، في حين اعتبر كل من وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل ورئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الخميس الماضي ان الامر غير وارد بين واشنطن والنظام السوري لانه "جزء من المشكلة" وليس جزءا من الحل. وضم المدير السابق لوكالة الاستخبارات الاميركية مايكل هايدن صوته الى الرافضين للتعاون مع الاسد بقوله ان خيار التعاون معه مدمر. وهو الموقف نفسه الذي انسحب على وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي رد على دعوات بريطانية من اجل تجاوز الموقف من الاسد والتعاون معه من اجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بقوله ان هذا الامر لن يساعد حتى لو التقت الدول الغربية مع الاسد موضوعيا في محاربة عدو واحد.
يكسب الاسد بالنقاط من مجرد توسع المطالبة في بعض العواصم المؤثرة بتجاهل ما ارتكبه وما يستمر يرتكبه والتعاون معه من اجل مواجهة توسع الدولة الاسلامية وسيطرتها قياسا على المواقف المدينة له بالاجماع قبل بعض الوقت كما يكسب من الجدل حول الموضوع. ولعله يراهن على ان بعض الدفع نحو المزيد من انتصارات داعش في سوريا بعد العراق قد يجعل الدول الغربية تغير موقفها منه بعدما تطور موقف هذه الدول من مطالبته بالرحيل الى السكوت على استمراره وعرض تعاونه في هذا الاطار والذي لا بد منه للنجاح كما حرص المعلم على توضيح ذلك. كما يراهن على الحاجة الى التعاون مع طرف داخلي حدده وزير الخارجية الروسي بضرورة ان يكون التصدي لداعش بموافقة الحكومات الشرعية في الدول المعنية. وهو يقصد بذلك انه كما ان حكومة حيدر العبادي شرعية في العراق ويستعد الغرب للتعاون معها فان ثمة ضرورة للتعاون مع حكومة الاسد التي يعتبرها شرعية فيما التعاون الدولي معها يجعلها كذلك حكما ما يساهم في تعويم النظام علما ان هناك نظريات تميز بين التعاون مع الاسد شخصيا وبين التعاون مع نظامه. وفيما يروج هذا الاخير عبر مؤيديه السياسيين في لبنان ان دعوته الى التنسيق معه انما تصب في اخراج التعاون الاستخباري الذي ينقل عن مسؤوليه حصوله الى مستوى التعاون السياسي والديبلوماسي، فانه يحاول الاستفادة من سياق متناسب للامور من اجل اعادة خلط الاوراق الاقليمية والدولية ازاءه من خلال ضرب الحديد وهو حام اي في ظل مناقشة في العواصم المؤثرة عن كيفية توجيه ضربات لتنظيم داعش في سوريا كما في العراق والسعي الى اظهار جانب التزام القرارات الدولية والاستعداد للتعاون من اجل دعم وجهة النظر القائلة بالتعاون معه. فيما يسري ايضا من جانب هؤلاء المؤيدين للنظام ان الدول العربية قد تكون مستعدة ايضا من اجل التعاون لدحر داعش ومنع توسعها الى ابعد من العراق وسوريا.
ثمة مترتبات كبيرة وخطيرة اذا انتهت الامور الى تعويم النظام السوري في حسابات الصراع الاقليمي الجاري في المنطقة. هل المواقف المعلنة حقيقية ونهائية وليست سقوفا عالية للتفاوض استنادا الى ما جرى في العراق وساهم في دفع بتحالف دولي الى الواجهة؟ الكثير من الانتباه وجه الى تغييرات ومواقف ايرانية واستعدادات عبرت عنها زيارة مساعد وزير الخارجية الايراني الى المملكة السعودية واعلان وزير الخارجية محمد جواد ظريف من العراق مواقف تتلاقى مع المواقف الدولية من الوضع فيه.