تبدو محاولة زجّ الجنوب في حرب مع اسرائيل هدفاً قائماً في حسابات أطراف تجتهد لادخال أمن الجنوب في فوّهة آلة العدو التدميرية لتحقيق غايات حتى الآن غير واضحة الأسباب باستثناء الحاق لبنان بالحروب القائمة في المنطقة لعدم استثناء أحدّ من مغبات الصراعات الاقليمية لارساء موازين جديدة تتناسب مع المتغيّرات القائمة في العالم العربي وذلك في بُنيتيّ السلطة والمجتمع .
حتى الآن لم تتوصل الجهات المسؤولة الى ادراك الجهات التي تقف وراء تسخين الأجواء في الجنوب من خلال بورصة الصواريخ المتنقلة على حساب أسهم حماس في غزّة . فلم تفلح المحاولات السابقة من موجة الصواريخ في جرّ لبنان الى حرب مدمّرة مع اسرائيل فجاءت محاولة أمس تلبية للدعوة السابقة والمدفوعة بقوّة غير متناهية لاشعال فتيل الحرب في الجنوب من قبل مطلقين لصاروخ لم يستهدف "كريات شمونة " بالقدر الذي استهدف فيه أمن الجنوب باستباحة واضحة له وتحت جنح الظلام المكشوف دون أن يترك آثراً يمنح الاجهزة المسؤولة ما يساعدها على حلّ ألغاز الصواريخ التي تُطلق من جنوب لبنان بين الحرب والهُدن المفتوحة في غزّة .
من المعيب اتهام داعش في " الصورخة" على اسرائيل لأن كل أعداء داعش ينظرون اليها كأداة عميلة للصهيونية وبالتالي مواقف الدولة الاسلامية واضحة في هذا المجال وأولياتها متعلقة ومرتبطة بضرورة القتال في أمكنة غير الأمكنة الاسرائيلية لأنها تسعى الى تحرير البلدان العربية من العرب كمقدمة لتحرير بيت المقدس . كما لايمكن اتهام حماس بالقصف على اسرائيل من جنوب لبنان لأن الحركة أعلنت أكثر من مرّة أنها لا تقوم بأيّ عمل عسكري أو أمني من خارج فلسطين وأن مقاومتها محصورة في الداخل وأن وجودها في لبنان خاضع لمنطق الدولة اللبنانية لا لمنطق الميليشيات الخارجة عن القانون . وثمّة استبعاد كلي لحركة فتح وللفصائل المتصلة بالسلطة الفلسطينية لأنها لا تقاتل أصلاً في الداخل فما مصلحتها في المساهمة المحدودة من الخارج ؟ واذا كانت الفصائل الفلسطينية الأساسية غير متورطة في اطلاق الصواريخ على اسرائيل من جنوب لبنان فمن الجهة التي تقف وراء ذلك؟ خاصة وأن من يطلق الصواريخ ليس فرداً بل جهة قادرة على اختراق أمن الجنوب . من الممكن اعتبار الفصائل الفلسطينية التابعة للنظام السوري في شبهة من الأمر لاعتبارات عديدة الاّ أن حساسيّة المرحلة لا تتسع لمغامرات غير مدروسة وبالتالي لا يمكن لهذه الأدوات اللعب بأمن الجنوب لأن الطرفان الشيعيان لا يسمحان لأحد مهما علا أن يلعب لعبته الخبيثة في الأمن . هناك ادانة دائمة لاسلاميين متعددي الهويات فمنهم من هو مرتبط بأجهزة خارجية تعمل على الاستثمار في الأمن اللبناني ومنهم من هو مخلص ويرى نصرة حماس تتمّ باستهداف اسرائيل من لبنان وفتح جبهة الجنوب للتضامن الفعلي مع غزّة وتوريط لبنان بحرب لا طائلة له بها. بتقديري أن أكثر اللاعبين بأمن الجنوب هو العدو نفسه الذي يرتكز على ظروف مناسبة تُساعده على شن الحروب دون أن يكون لذلك أيّ آثر سلبي عليه .
بالتأكيد العدو لا يلعب في ملعب الجنوب منفرداً فثمّة شركاء حقيقين له يمتهنون مهن العمالة وأن هناك من ينفّذ الأوامر بطريقة مدروسة تعيق الجهات المسؤولة من التوصل الى معرفة هوية الفاعل القادر على الاخلال بأمن الجنوب رغم الحراسة الأمنية المُشددة وهذا ما يُهدد أمن لبنان ويجعله عرضة لاهتزازات أمنية قدّ لا تبقيه نائياً عن نفسه مهما أبدى من مقاومة ايجابية في هذا المجال .