لقد شاركت في العديد من المؤتمرات الحوارية حول " حوار الايان " , في لبنان وخارج لبنان , بعضها إسلامي – إسلامي وبعضها : مسيحي – إسلامي , وجلُّ هذه المؤتمرات كانت تحكمها عناوين اللياقات والاحترام المتبادل بين المؤتمرين , فكانت جلّ المداخلات تتضمن مدح بالآخر وتأسف على ما يحصل بين الاديان والمذاهب من شجار ومناكفات , والكل يعترض ويطلب التغيير , ويقدم حلولا نظرية لمشكلات عملية , وأعتقد أنها مستمرة ولا يرجى منها نتائج عملية , ولا حلّ لاي مشكلة ,
كل هذه المؤتمرات والحوارات واللقاءات لم تثمر شيئا عمليا كما أشرت , لسبب بسيط وهو أن النقاشات كانت تدور حول توصيف الواقع بطريقة المجاملة , وأغلب المثقفين الذين يشاركون في هكذا مؤتمرات يتفننون بطريقة الخطاب وينتقون العبارات التي لا تجرح الذات والاخر , وهكذا تعقد مؤتمرات وتدور حوارات , لأجل الحوار فقط , ولرفع العتب فقط .
كل حوار , أو نقاش , لكي ينجح ويثمر يحتاج الى شروط أساسية , أولها معرفة المشكلة و وثانيها الصدق في التوصيف , وثالثها الجرأة في الطرح , مع عدم المجاملة للآخر بتحسين قبيحه , ومدح مثالبه , وبغير ذلك يكون الحوار أو النقاش , أو المؤتمرات , بلا طائل , وعمل ممجوج يزيد في الطين بِلة .
إلى الان لم نشهد مؤتمرا دينيا , دار فيه حوار جديّ , لأن المؤتمرين كانوا دائما متمسكين بمسبقات ومسلمات تاريخية ودينية ومفاهيمية , فيجتمعون ويخرجون كما دخلوا , أذكر أنني كنت في العراق بمناسبة مؤتمر إعلان النجف عاصمة الثقافة الاسلامية , وتشرفت بزيارة العلامة السيد محمد سعيد الحكيم , وكان بصحبتي الصديق الأب إيلي صادر , رئيس رهبة الفادي الاقدس في الشرق , والشيخ القاضي الدكتور يحيى الرافعي , ودار نقاش مع سماحته حول حوار الاديان وضرورته بشكل عام وخصوصا في المرحلة الراهنة , فقدم سماحته رأيا حول ذلك , قائلا بضرورة التسامح والعفو والاعتراف بالاخر وبحقه في الاعتقاد , وشرح شرحا مطولا حول ضرورة التعايش مع الاخر , ولم يذكر في سياق حديثه سببا واحدا من الاسباب التي تشكل منها فكر الابتعاد عن الاخر , فقلت له : هذا خطاب جميل وحسن ولكنه لا يلغي السبب , بل يؤجل المشكلة إلى زمن آخر , فلا بد لنا من أن نبحث في التراث الديني عن السبب ونقدم على إلغائه وبالتالي ينتهي المُسبب وتُحل المشكلة بطريقة جذرية , وإلا سوف نبقى في دوامة النص الداعي الى إلغاء الاخر المختلف معنا دينيا , فلذلك لا بد من إلغاء النص وشطبه , كي نتخلص من المشكلة وإلى الابد .
تعجب سماحته من الجرأة على النص وقال لا يمكن أن نقدم على ذلك , فقط يمككنا أن لا نستعمل النص وينبغي بقاؤه على ما هو عليه , أكمل قائلا إن هذا كلاما خطيرا لا نقبل به , فقلت فإذن ستبقى المشكلة كما هي , وسوف يتمسك كل فريق بنصه وسوف تتشكل من خلال هذا النص منظومات فكرية ومذاهب فكرية ودينية .
هذا نموذج من حراسة التراث وإن كان التراث فيه من هبّ ودب , من التراكمات البشرية , هذا المنع مستمر , ومهيمن على ثقافة المؤتمرين عند الاديان كافة وعند المذاهب كافة , لذا ما دام هذا التقديس للتراث موجودا والمنع من غربلته ومراجعته مسيطرا , لا يرجى ثمارا عملية للمؤتمرات وللحوارات .
ينبغي طرح المشكلة بجرأة وبلا خوف من أحد , وينبغي قول الحق والصدق حتى على الذات كما على الآخر , هكذا يمكن أن نصل إلى ثمرة من الحوار , وإلا فكل المؤتمرات والحوارات لا قيمة لها سوى نفس الاجتماع .