لم تعد تطورات المنطقة تحتمل انتظار انتهاء المفاوضات بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول ملفها النووي والتي مددت حتى تشرين الثاني المقبل من اجل ان يبدأ البحث في ملفات العراق وسوريا باعتبار ان كلا من الولايات المتحدة وايران جهدت في نفي وجود اي موضوع على طاولة البحث بينهما ما خلا الموضوع النووي وعدم استعدادهما لذلك قبل الانتهاء منه. كما لم يعد في امكان الرئيس الاميركي باراك اوباما الاكتفاء بان يحقق انتصارا يفترض حصوله من خلال ملف ايران الشائك ويتوج به ولايته الثانية في موازاة عدم رغبته في مقاربة الوضع السوري المتفجر.
هل خلطت تطورات المنطقة اوراق واشنطن في عز الاستعداد للانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي في الخامس من تشرين الثاني المقبل في ظل توقعات بخسارة مجلسي الشيوخ والنواب لمصلحة الجمهوريين وتحول الرئيس اوباما مبكرا الى "بطة عرجاء" في ظل قيود الكونغرس على قراراته؟ سؤال يثيره بعض المتابعين على خلفية الحركة الاميركية المستجدة في اتجاه المنطقة وان تكن الانظار مسلطة على ما استفز اليقظة الاميركية. فما حصل في العراق وامتداده من سوريا بات ملفا ملحا يثير جدلا داخل الادارة الاميركية على وقع العودة الاميركية القسرية الى الانخراط في الازمة العراقية وصولا الى انتقادات تحمل التقاعس عن مد اليد الاميركية الى سوريا خلال الاعوام الثلاثة الماضية تبعة نشوء داعش وصولا الى اعادة طرح او اقتراح امكان توجيه ضربات عسكرية الى تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا كما في العراق.
هل فتح باب ما في ملف البحث جديا في تسوية سياسية في المنطقة على وقع مواجهة خطر داعش في كل من العراق وسوريا ام ان ما يجري مجرد عوارض طارئة لحرب قد تطول؟
السؤال يحفزه بالنسبة الى مصادر سياسية الاقتناع الاميركي الذي يعبر عنه كبار المسؤولين العسكريين بمعادلة ان ضرب تنظيم داعش في العراق لن يكون كافيا ما لم ينسحب ذلك على سوريا لان ذلك سيكون من دون جدوى. استعد النظام السوري وهيأ نفسه لان يكون الشريك المنتظر للولايات المتحدة وربما لتحالف دولي محتمل من اجل توجيه ضربات عسكرية لداعش من خلال مواقف سياسية عبر عنها نائب وزير الخارجية السوري بان اي ضربات دولية فوق سوريا تحتاج الى موافقة النظام والتنسيق معه ما يعني تشريع التعاون معه او عبر استهدافه جويا لمواقع لداعش من اجل ان يضع نفسه مسبقا على هذه الطريق. ويخشى مراقبون كثر ان تكون مواجهة داعش في سوريا بابا لتسويات تعيد تلميع وجه النظام مرحليا في ظل المعادلة التي تطرح منذ بعض الوقت، وربما حتى منذ السنة الثانية للازمة، اي التعاون مع الشيطان الاقل سوءا اي النظام، في وقت يحذر مراقبون آخرون من ارتكاب خطأ الوقوع في الفخ الذي نصبه الاسد من خلال اطلاقه داعش في الاساس من اجل محاربة الاميركيين في العراق ابان الاحتلال الاميركي له، ثم اعادة اطلاقه من السجون السورية من اجل تدمير المعارضة السلمية ضده وتبرير منطقه بانه يحارب الارهاب.
يقول ديبلوماسيون متابعون ان السكوت على استمرار الاسد قد يشبه السكوت على صدام حسين بعد اجتياحه للكويت والاكتفاء بطرده منها في العام 1989 في حين ان الاميركيين لم يلبثوا ان عادوا من اجل اطاحته في 2003، وذلك في حال نجحت تسويات معينة في ابقائه راهنا. فيما تفاءل ديبلوماسيون بما صرح به الرئيس الاميركي للصحافي توماس فريدمان مطلع هذا الشهر وقوله "ان التغطية الاشمل التي نحن بحاجة الى الاستمرار في التركيز عليها، وهي ان لدينا اقلية سنية ساخطة في العراق واغلبية في حالة سوريا وتمتد بالاساس من بغداد الى دمشق. وما لم نستطع ان نقدم لهم صيغة تستجيب لتطلعات ذلك القطاع من السكان، فحتما سنواجه مشكلات. ولسوء الحظ اتيحت فترة من الوقت للاغلبية الشيعية في العراق لم يدركوا خلالها ذلك والان بداوا يستوعبون". فهذا الموقف التفصيلي يعني ان الولايات المتحدة وعت ان رهانها على التحالف مع الشيعة على حساب التحالف مع السنة في المنطقة امر غير قابل للنجاح. وهي تعي ان ضرب داعش في العراق من دون ضربها في سوريا سيكون من دون جدوى، واستيعاب الوضع من اجل دحرها يحتاج الى تسوية سياسية تعطي السنة حقوقهم في العراق من اجل المساعدة على عدم عودة داعش. وهو ما حصل من خلال التخلي عن نوري المالكي واخراجه من السلطة لمصلحة حيدر العبادي الذي يفترض ان يرعى توزيعا عادلا ومطمئنا للسلطة والحقوق ما يساعد على نبذ داعش ومحاربتها في بيئتها . ما يعني ان المعادلة نفسها يفترض ان تطبق في سوريا ايضا والا بقيت المشكلة على حالها خصوصا مع 70 في المئة هم عدد السنة في سوريا . اضف الى ذلك ان الدول الغربية عاجزة وحدها عن وقف خطر داعش ولا تستطيع الانخراط عسكريا على الارض، ولا ان تسلم لايران في سوريا تماما كما سلمت في العراق مما يفاقم حاجتها الى الدول السنية في المنطقة التي تحتاج بدورها الى اثمان سياسية تقنع بها الشعوب من اجل التراجع عن السكوت على تقدم داعش وعدم مواجهة تمددها او سيطرتها.