منذ أن ترأس العماد ميشال عون حكومة تألفت من ضباط المجلس العسكري طابت له الاقامة في قصر بعبدا حتى بنصف حكومة بعد استقالة النصف الآخر منها، وراح يسأل رجال قانون عن الوسيلة التي تجعله يبقى في القصر...
وعند الدعوة الى مؤتمر الطائف حاول العماد عون ثني عدد من النواب عن حضوره، لكن المؤتمر انعقد، وفي ختامه تمنى العاهل السعودي لو تتم المصالحة بين العماد عون والرئيس سليم الحص الذي كان يترأس حكومة ثانية آنذاك. ويقول الدكتور جورج سعادة في هذا العدد امام بعض اعضاء المكتب السياسي الكتائبي فور عودته من الطائف إنه أجاب الملك فهد بأنه "سيحاول الاتصال بالعماد عون لابلاغه ذلك، لكن لدى العماد شرطاً واحداً وهماً واحداً وهدفاً واحداً هو أن يوافق النواب على انتخابه رئيساً للجمهورية"، فرد الملك مبتسماً: "في حال وافق العماد عون على الحضور الى المملكة واجراء المصالحة مع الرئيس الحص سيعود من هنا رئيساً للجمهورية. هذا عهد من خادم الحرمين الشريفين". وقد فوجىء الحاضرون بهذا الكلام المباشر والصريح. ولدى عودة سعادة الى مقر اقامته اتصل بعون وأبلغه رسالة الملك فهد فوعد العماد عون بالاجابة فور عودة النواب من الطائف، وإذا به يفاجئهم لدى نزولهم من الطائرة باتخاذ قرار بحل مجلس النواب...
ومذذاك والعماد عون مثل مرتا يهتم بأمور كثيرة والمطلوب واحد وهو الجلوس على كرسي الرئاسة الاولى. وعندما انتخب رنيه معوض رئيساً للجمهورية رفض تسليمه قصر بعبدا... كما رفض تسليمه للرئيس الياس الهراوي الى ان كانت الضربة العسكرية السورية التي اخرجته.
وعندما انعقد مؤتمر الدوحة لاخراج لبنان من ازمات تشكيل حكومة واجراء انتخابات نيابية وانتخاب رئيس للجمهورية وافق مكرهاً على انتخاب العماد ميشال سليمان بعد مرور ستة أشهر من المماطلة وبعدما اشترط أن تحدد ولايته بسنتين فقط، لكنه عوّض عن عدم حصوله على ما يريد بعودته من الدوحة بقانون الستين للانتخابات النيابية معدلاً ظناً منه أن هذا القانون سيضمن له الفوز مع حلفائه بأكثرية المقاعد النيابية التي تنتخب رئيساً للجمهورية، وقد أحاط عودته بهذا القانون بهالة انتصار للمسيحيين كونه يعيد اليهم حقوقهم في السلطة... لكن نتائج الانتخابات النيابية خيّبت أمله لأن الفوز بالاكثرية النيابية كان لقوى 14 آذار التي كان لها مرشحان للرئاسة: نسيب لحود وبطرس حرب.
بيد أن العماد عون لم يقطع الامل من امكان وصوله الى رئاسة الجمهورية باعتماده على تفاهمه مع "حزب الله"، وعندما وجد أن لا أمل له بالوصول عمد مع الحزب الى تعطيل جلسات الانتخابات الرئاسية علَّ ذلك يشكل قوة ضاغطة تجعل الاكثرية النيابية تنتخبه خشية مواجهة خطر الشغور الرئاسي، لكن هذه الاكثرية فضلت حصول هذا الشغور على انتخابه رئيساً، ولم تنفع كل محاولات البطريرك الكاردينال الراعي وكل تصريحاته وصرخاته في جعل نواب "تكتل التغيير والاصلاح" يحضرون جلسات الانتخاب تقيدا بالدستور واحتراماً لوكالتهم عن الشعب. وما أثار غضب سيد بكركي على عون كونه وعد بحضور الجلسات ولم يف بوعده خلافاً لموقف النائب سليمان فرنجيه الذي كان صريحاً بقوله إنه لا يعد بذلك.
ولأن العماد عون دخل في سباق بين تقدمه في السن والوصول الى قصر بعبدا، راح يفتش عن الوسائل التي تمكنه من ذلك، حتى إن أحد القريبين منه اقترح انتخابه رئيساً لمدة سنتين فقط وحتى أقل... إذا كان ذلك يوصله الى الرئاسة الاولى. ومن هذه الوسائل طرح "التيار الوطني الحر" اقتراح اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية حتى على أساس قانون الستين إذا تعذّر الاتفاق على قانون أفضل. لكن هذا الاقتراح اصطدم برفض الاكثرية التي تدعو لانتخابات رئاسية قبل الانتخابات النيابية تطبيقاً لأحكام الدستور، عندها اقترح نواب "التيار" تعديل الدستور لجهة جعل انتخاب رئيس الجمهورية يتم مباشرة من الشعب ظناً منهم أنها الطريقة التي توصل عون الى قصر بعبدا اعتماداً منهم على الصوت الشيعي. لكن هذا الاقتراح يطرح إضاعة للوقت، حتى إنه إذا سار وفقاً للآلية الدستورية فلا سبيل لبته إلا بعد أكثر من سنة، عدا أن المسيحيين لن يوصلوا ممثلهم الحقيقي إلى الرئاسة الاولى كما يدّعي النواب العونيون، لأن أصوات المسيحيين سوف تتوزع على المرشحين الموارنة للرئاسة، لتصبح الاصوات الوازنة في الانتخابات الرئاسية للمسلم السني أو الشيعي أو الدرزي. وإذا كان العماد عون يعتمد الآن على أصوات الشيعة فعلى أصوات من سيعتمد المرشح الماروني في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟