يتعرض المسيحيّون في أكثر من بلد عربي واسلامي الى عملية مسح شاملة بغية تصفية وجودهم في شرق أوسطي يعاد تركيب سياسته الجغرافية وفق ديمغرافية جديدة مصفاة و"منقاة "من أي خليط غير متجانس لصالح مذهبيات وقوميات وهويات متناقضة ومختلفة في خصوصيّاتها المتعددة بعد تعايش قسري لم يتيح لأصحابها فرص العيش كشركاء متساويين في الحقوق والواجبات .. لقد خسر مسيحيو لبنان لبنانهم نتيجة لأسباب متعددة وتأتي في مقدمتها سياسة الحرمان التي أتبعتها السلطة المارونية بحق الطوائف الأخرى وجاء اتفاق الطائف لبناء دستور جديد لا يعطي للرئيس الماروني كل صلاحيات الحكم وقد رافق ذلك ضعف مسيحي أصاب أحزاب الطائفة المارونية الفاعلة فيها بعد فشلها في التعاطي الايجابي مع اتفاق الطائف وقد عمل النظام السوري على ايجاد بدائل للتمثيل المسيحي والماروني تحديداً لكنه فشل في مهمته وبقيت الأحزاب التقليدية هي المسيطرة على الشارع المسيحي وهذا التعاطي السوري أسّس مع واقع اتفاق الطائف شعوراً مسيحياً سلبياً أدّى الى حالة واهنة ومستضعفة في ظلّ انعدام أيّ وزن سياسي داخل الطائفة وبعد عودة المنفيين (جعجع-عون) من الداخل والخارج شعر المسيحيّون بعودة الروح اليهم ولكنها كانت روحاً مخدوعة لأن المنفيين قد نفيا قوّة الطائفة نتيجة خلافيّهما على قيادة طائفة منهكة جرّاء الحروب التي خيضت باسمها دفاعاً عن امتيازات سلطوية محصورة بمكتسبات أشخاص . بعد أن هرب حلفاء ميشال عون آنذاك من كابوس رئاسته للبنان قطع الجنرال علاقاته مع فريق وجد فيه طرفاً لا يُصلح للتعاون وصولاً لقصر الرئاسة لهذا كان البحث عن حليف يعوض له خسارته بحلفاء طاعنين بحلمه المُسن أمراً مُلحاً ولذلك فتح باب العلاقة المتواضعة مع حزب الله على مصرعيه لعلّ باب الحزب يفتح له باب قصر الرئاسة . لقد وقّع حزب الله مع التيّار الوطني الحرّ وثيقة وطنية شكلت صُعداً جديداً في الحياة السياسية في لبنان ولكنه قدّ نظر اليها نظرة مختلفة ومتجاوزة لحدود النظرة العونية فهو أرادها وثيقة تطمئن المسيحيين في لبنان بعد سيل من الدعايات التي خوّفت المسيحيين من حزب الله الاسلامي وفعلاً كان للوثيقة آثرها المباشر على الوجود المسيحي وعلى الدور المسيحي الذي انتعش من خلال سياسة حزب الله الآيلة الى تدعيم التمثيل المسيحي بعد أن انتكس على يدّ السوريين الذين تعاونوا مع أتباع لهم لا مع ممثلين حقيقيين للمسيحيين . وبات المسيحيّون ودورهم في الدولة مسؤولية حزب الله والكلّ يذكر جيداً كيف وضع الحزب خطاً أحمر أمام قصر رئاسة لحود لاعتبارات سياسية صحيح ولكن في جوهره دفاعاً عن موقع الرئاسة المسيحي حتى لا يصبح النيل من الرئاسة الأولى سهلاً من قبل الطوائف الأخرى . لقد أسقط حزب الله كل المخاوف المسيحية والتي انتابتهم منه وفتح معهم علاقة مستقيمة وقدّم تضحيات كبرى من أجلها بدءًا من يوم التحرير والذي اعتبره يوم المرحمة للمسيحيين المتعاونين مع الاحتلال مروراً بالتجاوب مع متطلبات الكنيسة المارونية بواسطة حوار جدي معها ومع شروط التيّارات المسيحية الداعية الى تحسين التعاطي معهم كشركاء فعليين وفاعلين في السياسة اللبنانية وصولاً الى تعطيل الاستحقاق الرئاسي اذا لم يكن الرئيس بوزن عون مسيحيّاً .
في سورية والعراق دفع حزب الله أثمان بقاء المسيحيين وعدم تهجيرهم من خلال معارك خاضها على جبهة نصرة المسيحيين باعتبارهم تنوعاً ضرورياً لمجتمع عربي لا معنى له بدون أقلياته المُسهمة في تشكيل حضارته التاريخية ..ربما يقول قائل بأن دفاع حزب الله عن المسيحين هدفاً منطلقاً من خوف الأقلية الشيعية أيّ أن منطق الأقليّات هو المتحكم بموقف الحزب بوجه أكثرية تقود مرحلتها حركات سُنية متطرفة تعمل على اقتلاع الوجودين الشيعي والمسيحي من جذورهما العربية ..وربما هناك من يربط سياسة حزب الله تجاه المسيحيين بسياسات المصالح وطبيعة الضرر الذي جمع الأقليات في دائرة استهدافية واحدة بعد أن أعلن المسيحيّون والشيعة رفضهم لاسقاط نظام بشار الأسد ومواجهتهم للدولة الاخوانية في مصر ..وربما هناك مئات الأسباب الموجبة لحزب الله كيّ يدافع بشراسة عن المسيحيين حيث يستطيع وكلها توصل الى نتائج واحدة وبغض النظر عن النوايا مفادها أن حزب الله حزب المسيحيين وهو يدافع وجودهم بجاهز للذهاب الى حيث يجب للدفاع عن وجود مسيحي يرونه مهدداً .عنهم في أمكنة مدعوين الى تركها في وقت لا نجدّ فيه أحداً من المسيحيين الغيارى على وجود مسيحي يرونه مهدداً .