على ذمة سياسيين على تواصل بكل من بكركي والرابية ان التوتر الذي تزايد في الآونة الأخيرة بين الطرفين يرتبط في جزء كبير منه بانزعاج رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون من مواقف للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي تسحب وفق ما يقول هؤلاء ورقة قوة من يد الجنرال باعتبار ان هذه المواقف التي تنحو في اتجاه تسمية مرشحين للرئاسة الاولى تضيق هامش المناورة امامه وتقضي على فرصه في ان يكون صانع الرئيس او من يسميه. وهناك انزعاج في المقابل من جانب البطريرك الماروني لاستمرار تكتل عون في تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية. واستتباعاً فان رسائل بمضمون انزعاج الجنرال حملها سياسيون الى بكركي من أجل ابقاء اوراق عون قوية في التفاوض على موقع الرئاسة من خلال الحصول على المطالب التي يطمح بالوصول اليها او من خلال الايحاء بان له اليد الطولى في وصول الرئيس العتيد. ويبدو بحسب السياسيين المعنيين ان عون بات يعي جيداً انعدام فرصة وصوله الى رئاسة الجمهورية ولو انه لا يزال يوحي بانه غير عازم على التراجع عما يعتبره أحقيته في انتخابه. لكنه لم يتخذ بعد الموقف الذي يسمح بالتوافق على شخصية يتم انتخابها للرئاسة.
وعلى عكس ما يستمر شائعاً بان ثمة حاجة الى من يبلغ عون ان لا فرصة لديه فانه قد تبلغ هذا الموقف فعلاً من السفراء الاجانب وسياسيين مرات عدة وبواسطة الاعلام ومباشرة، فضلاً عن تقاذف الافرقاء السياسيين كرة المكاسب او عدمها من القيام بدور من يبلغ عون باستحالة وصوله. فبعد زيارة النائب وليد جنبلاط للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله شاع على السنة سياسيين ان نصرالله لن يقوم هو بابلاغ عون عدم امكان انتخابه. وهذا الأمر ينطلق من واقع ان ليس عليه خسارة حليف قوي على الساحة الداخلية ويترك لخصومه اي تيار المستقبل ان يقطف ثمرة انفتاح بينهما لم يمر عليه بضعة اشهر. في حين ان رمي كرة لعب هذا الدور على الرئيس سعد الحريري من شانه ان يعطي الحزب ورقة قوة بما يسمح باستعادة الحزب تاثيره وضمان علاقته مع التيار العوني. وهناك في هذا الاطار من يحمل الرئيس الحريري تبعة اعطاء آمال كبيرة لعون والتي لا تزال قوية مما سمح لهذا الأخير للاعتقاد بأن الحريري يرغب في ايصاله فعلاً الى الرئاسة لكن القرار النهائي في قبوله او رفضه لا يزال لدى المملكة السعودية. ولذلك فان تبلغ عون المواقف الحاسمة بعدم امكان انتخابه لم يلغ رهانه حتى الساعة على متغيرات اقليمية قد تساهم في تغيير موقف المملكة من انتخابه أياً تكن طبيعة هذه المتغيرات. ويستند هؤلاء في حسمهم بوجود رهانات قوية على مواقف اطلقها أخيراً وزير الخارجية جبران باسيل من موقعه كصهر للجنرال عون في شرحه مقتضيات رؤية التيار للعملية الانتخابية لرئاسة الجمهورية.
بعض المطلعين يجزمون بأن الاعتقاد او الرهان بأن المملكة السعودية يمكن ان تبدل موقفها في هذا الاطار في حال التسليم جدلاً بأن هذا هو موقفها هو في غير محله لاعتبارات عدّة. فما بات ثابتاً على نحو واسع لدى مختلف الاوساط السياسية في قوى ٨ و١٤ آذار بان لا فرصة للعماد عون او لاي من المرشحين الاربعة الرئيسيين الذين اجتمعوا في بكركي. حتى ان اوساطاً عليمة تجزم بأن "حزب الله" يدرك من الاساس عدم امكان وصول عون لكنه لن يتولى هو تخييب امله في وقت قد يكون الأمر ملائماً له اقليمياً ومن أجل تعزيز اوراقه واوراق حلفائه بحيث لا يزعجه الفراغ الحاصل لاشهر في الرئاسة الاولى.
ما لا يسجل ايجابا في خانة رئيس التيار العوني ليس لدى الاوساط السياسية لخصومه بل لدى حلفائه في الدرجة الاولى هو استهانته بالفراغ في سدة الرئاسة الاولى في ظلّ انهيار اقليمي مخيف في المنطقة بما يحمله من تهديدات للمسيحيين وموقعهم ووضعهم في لبنان الى حدّ تحذير زوار سياسيين الجنرال عون من سلبيات ذلك على الوجود المسيحي الذي يفترض ان يكون معنياً به أكثر من سائر القوى الأخرى. ويندرج في اطار ردّ الفعل السياسي السلبي على تداعيات مواقف الجنرال عون في كل من البيان الذي صدر عن التيار في اجتماع تكتله الاربعاء في ٢٠ آب الجاري وتلاه الوزير باسيل في عملية توظيف غير موفقة لظاهرة داعش وممارساتها في العراق والايحاء بأن التيار هو في موقع الضحية من خلال اتهام الآخرين ضمناً بممارسات داعش ضده، وتقديم عشرة نواب من التكتل اقتراح قانون من أجل انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب. ومع ادراك كل القوى السياسية بان عون يعرف بأن هذا الاقتراح لن يأخذ طريقه الى التنفيذ، فان ثمة استهانة يعبر عنها أولاً من خلال محاولة لعب بالدستور في وقت خطير ومصيري اقليمياً خصوصاً ان اي تعديل ولو بسيط يمكن ان يجر تعديلات ومطالب للطوائف الأخرى ما قد يهدد موقع المسيحيين وحصتهم في السلطة، ومن خلال تسجيله سابقة تفتح الأبواب أمام الآخرين لاحقاً للاستفادة من هذا الاقتراح وفق حساباتهم وفي ظروف مختلفة.