أدت العودة السريعة لزعيم تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري الى بيروت في الأسبوع الماضي إلى انتشار موجة كبيرة من التفاؤل والآمال والأحلام لدى أنصار التيار وكوادره ومسؤوليه، وكذلك لدى فئات واسعة من اللبنانيين بشأن ما يمكن أن تحققه هذه العودة من نتائج سياسية وانعكاسات حالية ومعالجة بعض الأزمات الداخية.
وقد راهن الكثير من هؤلاء على هذه العودة المفاجئة، باعتبار أن وجود الحريري في بيروت سيساعد في معالجة الكثير من الملفات السياسية والتنظيمية والشعبية وسيعيد إلى التيار دوره الفاعل على الصعيد السياسي.
لكن مغادرة الحريري السريعة لبيروت والمفاجأة والعودة إلى جدة لمتابعة الأمور من هناك، أعادت الكثيرين الى واقعيتهم وتراجعوا عن التوقعات الكثيرة التي بثوها حول نتائج هذه العودة ودور الحريري السياسي والشعبي.
ومع أنه لا يمكن إنكار الدور المهم الذي يؤديه «تيار المستقبل» في الواقع السياسي اللبناني اليوم ووجود حالة شعبية مؤيدة وداعمة له في معظم المناطق اللبنانية، فإنه لا بدّ من الاعتراف بوجود الكثير من التحديات السياسية والشعبية والتنظيمية التي يواجهها التيار اليوم باعتراف العديد من كوادر التيار ومؤيديه، وخصوصاً في مجالسهم الخاصة وفي اللقاءات غير المعلنة. مع أن بعض التباينات السياسية قد برزت علناً في مواقف نواب التيار ومؤيديه خلال الأسابيع الماضية وخصوصاً خلال معالجة أزمة عرسال.
فما هي أبرز التحديات السياسية والتنظيمية التي يواجهها تيار المستقبل اليوم؟ وهل سينجح الشيخ سعد الحريري بمعالجة هذه التحديات من خلال رحلاته المكوكية المستقبلية بين بيروت وجدة وباريس؟
التحديات السياسية والتنظيمية
بداية، ما هي أبرز التحديات السياسية والتنظيمية التي يواجهها تيار المستقبل اليوم؟
تقول مصادر مطلعة على أجواء التيار «انه خلال السنوات التسع الماضية، أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، نجح تيار المستقبل في تكوين حالة سياسية وشعبية ضخمة على مستوى كل الأراضي اللبنانية، وان ما حققه هذا التيار بعد الاغتيال لم يستطع الرئيس رفيق الحريري بناءه في حياته، وقد حوَّل التيار هذا الدعم والتأييد الداخلي والعربي والدولي الى قوة كبيرة داخل السلطة والحكم، وحتى عندما خرج التيار من الحكومة أيام الرئيس نجيب ميقاتي بقيت تأثيراته وقدراته حاضرة داخل الحكم وخارجه».
وتضيف المصادر «ان التيار استفاد من الزخم الشعبي الكبير ومن حالة العداء ضد السوريين وحلفائهم في لبنان ومن الدعم الخارجي والعربي، ونجح في بناء إطار سياسي منظم يستند إلى قوة شعبية كبيرة وقدرات حالية ضخمة ودعم كبير من بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها».
وتتابع المصادر: «وبعد انطلاقة الثورات العربية وخصوصاً المعارضة ضد النظام السوري، حاول تيار المستقبل وحلفاؤه الاستفادة من ذلك لتغيير بعض المعادلات العربية والإقليمية وبناء تحالفات جديدة، لكن الوقائع السياسية في هذه الدول العربية لم تؤد الى ما يريده التيار، ما وضعه أمام مواجهات وتحديات سياسية وتنظيمية».
فعلى صعيد الموقف من التطورات المصرية تبنى «تيار المستقبل» موقف المملكة العربية السعودية الداعم للانقلاب على «الإخوان المسلمين»، ما أوجد حالة من الخلاف والتباين بين التيار والجماعة الإسلامية في لبنان وأحدث بعض التباعد بينهما.
أما على صعيد الوضع السوري فلم تتحقق رغبات التيار بإسقاط النظام السوري وإضعاف حلفائه في لبنان، بل إن التطورات في سوريا بدأت تنعكس سلباً على قواعد التيار في لبنان، وخصوصاً بعد مشاركة «تيار المستقبل» مع حزب الله في حكومة الرئيس تمام سلام وتولي وزراء التيار وأصدقائه وخصوصاً وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي ووزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس مهمة ضبط تداعيات الوضع السوري على لبنان أمنياً وسياسياً واجتماعياً، ما أدى الى بعض التباينات مع عدد من القوى والهيئات الإسلامية والسياسية.
كذلك ان انفتاح التيار على العماد ميشال عون والسعي للتوصل الى تسوية معه بشأن الملفات السياسية أثار بعض المخاوف لدى بقية الأطراف السياسية في قوى 14 آذار، مع أن هذا الانفتاح لم يؤد الى أية نتيجة حتى الآن، وحالياً تشير بعض المصادر الى وجود بعض التباينات داخل قوى 14 آذار بشأن الموقف من التمديد لمجلس النواب وكيفية مقاربة بعض الملفات السياسية.
وعلى الصعيد التنظيمي يواجه التيار غياب «القائد القادر» على الإمساك بكل القواعد السياسية والشعبية، ويلحظ المراقب وجود بعض التباين في مواقف نواب التيار ومسؤوليه من بعض الملفات، اضافة الى تراجع القدرة على الحشد الشعبي الواسع في المحطات الأساسية (14 شباط و14 آذار)، وضعف الماكينة التنظيمية إضافة إلى تراجع التقديمات المالية والاجتماعية، وعدم وجود قضايا ساخنة يستطيع التيار اثارتها من أجل شحن القاعدة الشعبية في ظل تعاون وزراء التيار الكامل مع وزراء حزب الله في الحكومة الحالية.
الحريري ودوره
لكن ماذا يمكن أن يفعل الرئيس سعد الحريري لإعادة ترتيب وضع التيار ومؤسساته وتفعيل دوره في هذه المرحلة؟
تقول المصادر المطلعة على أجواء التيار «إن الرئيس سعد الحريري هو وحده القادر على إعادة لملمة أوضاع التيار واستعادة قيادته السياسية والتنظيمية في ظل وجود عدة مراكز قوى داخل التيار اليوم، بين رئاسة الكتلة النيابية للتيار التي يتولاها الرئيس فؤاد السنيورة ودور نواب وأعضاء كتلة التيار في المناطق، ودور الأمانة العامة والتنسيقات التنظيمية التي تدير أمور التيار على الأرض».
فالرئيس الحريري يستطيع ضبط الخطاب السياسي والإعلامي والشعبي للتيار في الأوقات الصعبة، كما حصل خلال أحداث عرسال وما بعدها، كذلك ان الدعم المالي والسياسي الذي توفره المملكة العربية السعودية للتيار وللشيخ سعد الحريري يمكن ان يعيد العديد من الكتل الشعبية الى حضن التيار، وهذا ما برز خلال العودة المؤقتة الأخيرة للشيخ سعد الى بيروت وما حمله من إمكانات مالية إن لدعم مؤسسات الدولة الأمنية أو بعض المناطق كصرف 15 مليون دولار لعرسال، وكما أعلن سابقاً عن صرف مليون دولار لمنطقة باب التبانة بغض النظر عن ضبط صرف هذه المساعدات ووصولها الى من يستحقها.
لكن الدور المهم الذي يمكن ان يؤديه الرئيس سعد الحريري في اعادة ترتيب وضع «تيار المستقبل» لن يلغي الكثير من التحديات والمشكلات التي يواجهها التيار اليوم، ان كان على صعيد الساحة الإسلامية أو على صعيد الوضع اللبناني عامة، ولذلك يفضل مسؤولو التيار إرجاء الانتخابات النيابية والقبول بالتمديد كي لا يدخلوا في امتحان الشعبية في هذه المرحلة.
إذن، «تيار المستقبل» أمام تحديات عديدة وعودة الشيخ سعد الحريري ولو المؤقتة والسريعة أعطت بعض الزخم «لتيار المستقبل»، لكن المهم كيفية معالجة هذه التحديات مستقبلاً كي يحافظ التيار على دوره السياسي والشعبي في ظل وجود قوى أخرى تنافسه في ساحته السياسية.
مجلة الامان- 22-8-2014-قاسم قصير