إن ما يعاني منه المسلمون في الحقبة المعاصرة من إشكاليات متنوعة وعلى رأسها إشكالية التطرّف هي وليدة إشكاليات تاريخية بدأت في العصر الاول مع الدعوة الاسلامية , ولم يتُم علاجها آنذاك بطريقة جذرية , فاستفحلت في الفكر الديني الاسلامي وتفرّع عنها فرق ومذاهب متعددة , وأبرزها فرقة الخوارج التي إشتهرت بتكفير كل مَن خالفها الرأي الديني , وفي موازاتها برزت فرق كلامية مثل " المرجئة والمفوّضة " كانت حادة في طرح آرائها .
فالمشكلة إذن التي نعاني منها في هذه الحقبة المعاصرة , ليست جديدة بين المسلمين , وكثيرون من الذين يحاولون نقاش هذه المشكلة وطرح الحلول لها مع إبداء العجب مما يحصل بين المسلمين , يتجاوزون التاريخ الاسلامي , بل يتناسون التراث الديني المليء بأحداث ووقائع شبيهة بتلك التي تحصل اليوم .
إن ما يقوم به بعض المسلمين اليوم من سلوكيات لا إنسانية , ووحشية , وتطرّف ديني مذهبي , يستند الى تراث ديني فيه الكثير من الانماط المشابهة للإنماط المعاصرة , ولم يُقدم مَنْ أقدم على القتل والتشريد , وعلى طُرق القتل الوحشية قبل الاستناد الى مبرر تاريخي ديني , فالخوارج بقروا بطون الحوامل , وقتلوا الاطفال , وقطعوا رؤوس الرجال , بخلفية التكفير الديني , والخوارج قد كفّروا كبار الصحابة المسلمين وعلى رأسهم الامام علي بن أبي طالب عليه السلام , فمَنْ يستغرب ويستهجن إجرام اليوم ووحشيته , فليراجع التاريخ الاسلامي , ويبحث عن حلول جذرية متعلقة بنصوص دينية موجودة في كتبنا جميعا , وليكن جريئا كل مَنْ يبدي حرصا على نضارة الاسلام , وسماحته , ويقول إن المشكلة ليست في الناس , بل المشكلة في النص الديني الذي لا علاقة للدين به والذي يدفع الناس إلى الاجرام .
والمشكلة أيضا في حرّاس التراث من رجال الدين الذين يقدسونه , ولا يقبلون المس به من حيث نقده ومراجعته وغربلته , هؤلاء يتحملون مسؤولية كل ما يجري ويحصل من وحشية بإسم الدين والاله , لأنهم يعرفون أن تراثنا الديني هو عبارة عن تجارب بشرية متراكمة فيها الحسن والقبيح , وهو المنهل لكل المذاهب والفرق والاحزاب , فآن الاوان لهم ولغيرهم من المفكرين الاسلاميين , فتح ورشة نقدية للتراث الديني , وبغير هذه الطريقة من نقد التراث وغربلته نكون كمَن يدفن رأسه في التراب .
فلا يجوز للعلماء وللمفكرين وللمثقفين السكوت عن هذا التطرّف الديني , الذي يشوّه صورة الاسلام والمسلمين , ويضع الدين موضع التهمة , ويضع التدين والمتدينين في خطر كبير على مفاهيمهم وأخلاقهم , فعلى هؤلاء العلماء الصامتين النهوض بمسؤولياتهم عن صون الدين والمسلمين من الاخطار المُحدِقة , وصون مجتمعاتنا من إجتياح المفاهيم المنكرة