شهد ملف المفاوضات حول الجنود اللبنانيين المخطوفين تصعيدا خطيرا بعدما هدتت جبهة النصرة بقتل عسكري كل 48 ساعة في حال لم تستجب الحكومة اللبنانية لمطالبها .
وذكرت صحيفة الاخبار في عددها الصادر اليوم ان مصير العسكريين المخطوفين في جرود عرسال دخل نفقا مظلما
مرّت ساعات ليل أمس صعبة على العسكريين والمشايخ المفاوضين على حد سواء. فقد نحت قيادة "جبهة النصرة" نحو التصعيد، بعدما لمست "تسويفاً من المفاوضين الذين لم يُسهموا في تحقيق أي من الشروط المتفق عليها" والتصعيد في عُرف الجهاديين يعني اللجوء إلى العنف.
وبحسب جريدة الاخبار ونقلا عن مصادر الخاطفين والوسطاء، ستنشر "النصرة" فيديو لعسكريين يناشدون الدولة الاستجابة لطلبات المفاوضات، وإلا فسوف يبدأ قتل العسكريين، واحداً تلو الآخر، كل 48 ساعة.
فإذا قبلت الحكومة بالشروط، يقف القتل. وبحسب المصادر، "لدى النصرة معلومات أن تأخير المفاوضات هو للإعداد لمعركة من حزب الله لمحو النصرة من القلمون". ووصل التصعيد ذروته ليل أمس بطرد "النصرة" موفد "هيئة العلماء المسلمين" من جرود عرسال، "لأن الهيئة غدرت بنا"، على حدّ قول "أمير الجبهة" في القلمون أبو مالك التلي.
وفي هذا السياق، تقول مصادر قيادية في "النصرة" لـ"الأخبار" إن "الكيل قد طفح. أعطينا وفد الهيئة عسكريين أول مرة. ثم أعطيناهم مجدداً ومجدداً، ثم سلّمنا الشيخ مصطفى عسكريين من دون مقابل. كل العسكريين الذين أطلقناهم كانوا عربون حسن نيّة منّا لتجاوب الدولة اللبنانية، لكنها لم تقدّم شيئاً".
هذا بالنسبة إلى "النصرة"، أما تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي صعّد موقفه منذ يومين، فتقول مصادر مقربة منه إنه "يكسب الوقت ليس إلا، بهدف استقدام المزيد من التعزيزات إلى جرود عرسال. وليست لديه حتى الآن نية جدية للتفاوض".
وفي هذا السياق، يُسرّ جهاديون بأن الخاطفين لا يثقون بـ"هيئة العلماء". يتحدث هؤلاء عن "ثقة كاملة بالشيخ سالم الرافعي الذي جلس جانباً بعد إصابته". يقول هؤلاء إنهم أبلغوا الشيخ سالم منذ اليوم الأول للمفاوضات أنهم يُريدون عملية تبادل لإطلاق سراح موقوفين مقابل إطلاق جميع العسكريين، مشترطين أن تكون "جمانة حميد (أوقفت أثناء قيادتها سيارة مفخخة من عرسال نحو اللبوة في شباط الماضي) وعماد جمعة (الذي أطلق توقيفه هجوم المسلحين على عرسال) وحسين الحجيري (الموقوف في ملف خطف الأستونيين) بين هؤلاء، وإن كان من تحت الطاولة". وعن المقصود بتعبير "تحت الطاولة"، يقولون إنهم يعنون أن يتم "إخلاء سبيل المسجونين في لبنان على دفعات، ومن دون القول إن الإفراج تم ضمن صفقة، بل تصدر قرارات الإفراج عن القضاء العسكري بحجة عدم ثبوت ارتكابهم جرائم على الأراضي اللبنانية".
وبحسب مصادر "النصرة"، "تريّثنا ليس سوى لإعطاء فرصة للوساطة القطرية قبل إقفال الملف". إزاء ذلك، سُرّب في الإعلام خبر انسحاب "هيئة علماء المسلمين" من المفاوضات.
وعُزي السبب، بحسب التسريبات، إلى كون "الحكومة لن تستجيب للشروط ولمبدأ المقايضة"، ولكون عدم تلبية شروط الخاطفين في ظل تحقيق الهيئة إنجازات لمصلحة الدولة اللبنانية من دون تقديم شيء في المقابل، قد يُشكّل خطراً على حياة أفرادها إذا بقيت ضمن المفاوضات.
وفي هذا السياق، رُصد ليل أمس قيام الشيخ مصطفى الحجيري بنشر تعليقات على موقعه على فايسبوك ينتقد فيه أداء هيئة العلماء قائلاً: "أناس كثيرون يمنّون على عرسال بأنهم فعلوا، وقريباً سيعلم الجميع بأن كثيرين ممن تبروزوا على الشاشات لم يكونوا سوى عارضين متطفلين"، ثم كتب تعليقاً: "هل كانت لدى هيئة العلماء مبادرة حتى توقفها، أم أن الهيئة كانت تطالب طرفاً واحداً بتقديم النوايا الحسنة ليس إلا..؟".
خطورة الوضع في الجرود لا يقابلها سوى إفراط في الخفة وسوء الإدارة من قبل الدولة اللبنانية. الخفة لم تتوقف منذ بداية معركة عرسال، وسبق أن أدت إلى إنهاء المعركة بتسوية مذلة، سُمِح بموجبها للمسلحين بالانسحاب بحرية من عرسال، وفي حوزتهم 36 عسكرياً ودركياً.
ورغم حراجة موقف العسكريين وعائلاتهم، كان قنّاصو الفرص يتحيّنون اللحظة لتحصيل مكسب ما. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر في "هيئة علماء المسلمين" أنه بعد بلوغ عدد المفرج عنهم ثمانية، اتصل مسؤول بارز في تيار المستقبل بأحد مشايخ الهيئة الذين يُشرفون على ملف التفاوض عن بُعد، للتوسط من أجل الحرص على أن يكون العسكريون الثلاثة المنوي الإفراج عنهم مقربين من قوى الرابع عشر من آذار. وتنقل المصادر أن المفاوضين فوجئوا بتدخلات رجال الأمن والسياسة لاستثمار تحرير العسكريين سياسياً.
كل طرفٍ يشدّ الحبل باتجاهه، كأنما يريد اقتناص اللقمة لفريقه السياسي لتحقيق مكاسب انتخابية. من بين هؤلاء اللاعبين، برز نائب بقاعي من تيار المستقبل، تكشف المعلومات أنه يتصل بمشايخ مفاوضين، للاعتراض على تسليم الجنود المحررين إلى استخبارات الجيش، طالباً أن يتسلّم هو المحرّرين.
كذلك تشير المعلومات إلى أن الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء الركن محمد خير دخل على الخط للتوسط لتسلم جنود محرّرين لإخراج التحرير لمصلحة رئيس الحكومة تمام السلام. وبحسب المصادر نفسها، باءت كل هذه المحاولات بالفشل، بعدما كان المفاوضون يلتزمون بتسليم المفرج عنهم للجيش.
على صعيد آخر، ورغم نفي وزير الداخلية نهاد المشنوق وجود أي دور للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في مفاوضات إطلاق المخطوفين، تنقل مصادر المفاوضين لـ"الأخبار" أن تنظيمي "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية" رفضا بداية دخول اللواء إبراهيم على خط الوساطة، لكنها كشفت أن الاتصال القطري بالجهة الخاطفة حلحل هذه العقدة، و"دخل إبراهيم على خط الوساطة".
وفي ملف آخر، أكّدت مصادر عرسالية لـ"الأخبار" أنه سيتم الإفراج عن المخطوف ماجد القاضي من دون فدية مالية اليوم. وتذكر المصادر أن "القاضي خُطف على أيدي مجموعة سورية مسلّحة، من داخل عرسال، في 17 تموز الماضي". وتحدّثت المصادر عن "جهود بذلها الشيخ مصطفى الحجيري (المعروف بـ"أبو طاقية") ستؤدي إلى الإفراج عنه".
ومن جهة أخرى يخشى المسؤولون اللبنانيون, أن تطول قضية العسكريين المحتجزين لدى تنظيمي "داعش" و"النصرة" الإرهابيين إلى أمد طويل, وأن تتحول إلى قضية أعزاز ثانية التي استغرق حلها نحو سنتين.
وقالت صحيفة السياسية الكويتية أن عوامل عدة تجعل هذه القضية معقدة, إذ تتشابك فيها عوامل محلية وإقليمية, منها: أولاً: إن العسكريين المخطوفين ليسوا عند جهة واحدة, كما كان حال مخطوفي أعزاز. فالمعلومات المتداولة أن سبعة منهم في قبضة "داعش", والباقين عند "النصرة". ولكن هذا غير مؤكد, وثمة معلومات أخرى عن وجود طرف ثالث, غير منضبط ولا يأتمر بأوامر هذين التنظيمين الإرهابيين.
ثانياً: رغم التحرك الرسمي اللبناني باتجاه تركيا وقطر, فإن المعنيين بالملف لا يتفاءلون كثيراً بإمكانية أن تقدم هاتان الدولتان أي مساعدة, فقطر أعلنت مراراً وتكراراً, أنها قطعت كل علاقاتها مع كل المجموعات المسلحة في سورية, وتركيا لا تملك الكثير من النفوذ على المجموعات البعيدة عن حدودها. وهذا حال خاطفي العسكريين على الحدود اللبنانية السورية الذين يتمتعون باستقلالية معينة في حركتهم.
ثالثاً: تضارب المعلومات والمطالب التي ينقلها الوسطاء في "هيئة العلماء المسلمين" ومن يدور في فلكها. فبعضهم يقول إن الإرهابيين يريدون مقايضة المخطوفين بإرهابيي سجن رومية, والبعض الآخر مثل نبيل الحلبي رئيس ما يسمى مؤسسة “لايف” ينفي ذلك, ويزعم أن مطالب الخاطفين إنسانية بحت, تتعلق برعاية النازحين السوريين, خصوصاً في عرسال, وهذا التضارب لا يبشر بالخير, إذ من المرجح أن يكون بمثابة توزيع أدوار, هدفه رفع درجة الابتزاز إلى الحد الأقصى.
رابعاً: ثمة عائق قانوني كبير للغاية يواجه أي صفقة محتملة للإفراج عن العسكريين, إذا أصر الخاطفون على إطلاق سراح سجناء إرهابيين من رومية, وحتى لو كان الأمر يتعلق بقرار سياسي, فإن الحكومة اللبنانية أعلنت أنها لن تقبل الابتزاز وترفض مبدأ المقايضة. وتتحدث أوساط حكومية بارزة عن خديعة تعرضت لها الحكومة, حين كان يجري التفاوض لوقف إطلاق النار في عرسال, فإذا بالمجموعات المسلحة تنقل العسكريين المحتجزين إلى الداخل السوري, حيث ظهر يومها أحد الناطقين باسم هيئة علماء المسلمين ليقول إن بند الإفراج عن العسكريين كان الرابع في سلسلة بنود الاتفاق, وهذا غير صحيح على الإطلاق.
وختم المصدر: “لكل هذه العوامل تبدو قضية العسكريين المخطوفين معقدة وبعيدة عن أي حل قريب. ولكن رغم ذلك فإن المساعي الرسمية مستمرة, لاستطلاع إمكانات التدخل الإقليمي فيها ومن ثم البحث عن حل رغم صعوبته”.