يَفهم كثيرون لماذا يرفض «حزب الله» إقفال الحدود مع سوريا أو ضبطها. فهو يريد إستمرار الخط العسكري سالكاً في الإتجاهين. لكنهم يسألون: لماذا يتهاون «الحزب» في قبول التدفُّق العشوائي للّاجئين السوريين، خلافاً لحليفه المسيحي العماد ميشال عون الذي بلغت حملاته الإعتراضية حدود إتهامه بالعنصرية؟
ما مِن طرف لبناني يستطيع ضبط الدخول العشوائي للاجئين السوريين أكثر من «حزب الله». لكنّه لا يفعل. وثمّة مَن لا يصدق أنّ الإعتبارات الإنسانية هي التي تدفع «الحزب» إلى هذا الخيار. فالعناوين الطوباوية لا مكان فعلياً لها في لعبة التوازنات المصيرية. وإلّا فكيف يشارك حليفَه السوري في حرب يسقط فيها مئات الآلاف من هؤلاء المدنيين اللاجئين أنفسهم؟ويعتقد كثيرون أنّ وجود نحو مليوني سوري وفلسطيني في لبنان يثير حفيظة «حزب الله»، وينذر بالمتاعب له، ويثير الهواجس، ولا سيما في الأمن والديموغرافيا.
أمنيّاً، كل متاعب «الحزب» منذ إندلاع الحرب في سوريا كان محورها الأساسي مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين. فالتفجيرات والعمليات الإنتحارية التي ضربت الضاحية والبقاع قبل أشهر ظهر فيها دور لفلسطينيين مرّوا بمخيّم عين الحلوة، ولسوريين يقيمون في عرسال وجوارها.
والمعركة الأخيرة في عرسال خاضها الجيش اللبناني، لكنها كانت مندلعة أساساً مع «حزب الله».
والسوريون هناك هم جزء أساسي من المشهد، حتى بدا النزاع هناك لبنانياً- سورياً في الكامل. ويمكن الحديث أيضاً عن تداخل أمني سوري - فلسطيني- لبناني يزداد تشابكاً مع إنخراط القوى اللبنانية أكثر فأكثر في الحرب السورية.
ولا يصطدم «الحزب» اليوم، عسكرياً، بأيّ طرف لبناني. لكنّه يصطدم بسوريين في سوريا، وفي لبنان. فلا لبناني يمتلك السلاح ولا التغطية السياسية والأمنية كما «الحزب» لكي يستطيع مواجهته.
لكنّ المواجهة واردة مع فلسطينيّي المخيمات التي يتكرّس «حكمها الذاتي». وربما تكون هناك مخيمات ومحميات سورية في البقاع قد باتت تسير في الطريق عينه، وهي تستفيد من التداخل الأمني الفلسطيني- السوري لـ»داعش» و»النصرة» والتنظيمات الرديفة.
أما على المستوى الديموغرافي، فلا يُفترض أن يكون هاجس «حزب الله» من الثقل السنّي المتعاظم في لبنان، أصغر من جاهس حليفه المسيحي. وثمّة حديث متداوَل في أوساط «8 آذار» عن المعادلة الآتية: هناك مليونا لاجئ يضافون في لبنان إلى الكفة السنّية خصوصاً. فإذا كان سكان لبنان يقاربون الـ4.5 ملايين نسمة، موزَّعين ديموغرافياً (من باب التبسيط) على ثلاثة أثلاث: 1.5 مليون سنّي، 1.5 مليون شيعي، و1.5 مليون مسيحي،
فهذا يعني:
- أنّ تعداد اللاجئين السوريين والفلسطينيين السنَّة بات يفوق تعداد أيّ مجموعة طائفية لبنانية.
- أن عدد السنّة الموجودين في لبنان (3.5 مليون نسمة) بات يقارب نسبة 55% إلى 60% من السكان المقيمين، وأنّ الشيعة والمسيحيين والدروز يشكلون معاً ما بين 40% و45%، مع التنويه بأنّ لا أفق لعودة اللاجئين إلى بلادهم، لا السوريين منهم ولا الفلسطينيين!
لذلك، يسأل البعض: هل إنّ «الحزب»، المعروف بدقّة حساباته، والذي يمسك بالقرارات الأساسية منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، عاجز عن فرض القرارات والتدابير التي تكفل الحدّ من تدفُّق اللاجئين؟ أم إنه يمتلك تصوُّراً معيّناً عن مستقبل الوضع في لبنان وسوريا، ولمستقبل اللاجئين ضمناً، وهو يتقبَّل واقع اللجوء بناءً على هذا التصوُّر الذي سينكشف لاحقاً؟
في عبارة أخرى، هل هناك ورقة خفيَّة يلعبها «الحزب» في ملف اللاجئين السوريين؟ وهل يكون الطرح الذي بدأ تسويقه عن ضرورة أن يجلس الجانبان الرسميان اللبناني والسوري معاً لينسِّقا المخارج حول اللاجئين ومسائل أخرى أحد الأهداف المحتملة؟ وهل يقرأ «الحزب» في شكل دقيق كيف تدفَّق اللاجئون السوريون، إلى السفارة السورية لكي يجدِّدوا البيعة للرئيس بشّار الأسد؟