قبل ثلاثة أشهر من انتهاء الولاية الممددة للمجلس النيابي، ورغم التعطيل المستمر لدوره التشريعي بفعل تمسك الفريق المسيحي بعدم جواز التشريع في ظل شغور موقع الرئاسة الاولى، ومع تنامي الكلام على خيار التمديد لهذا المجلس بذريعة الاوضاع الامنية التي تحول دون اجراء الانتخابات النيابية، تدور البلاد ضمن دائرة الحلقة المفرغة التي لا خروج منها الا بحصول خرق، ويكون أقرب الى المعجزة في واحد من الملفات المتشابكة.
أولى حلقات هذه الدائرة تبدأ من تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو ما أدى بدوره الى تعطيل الفريق المسيحي لعمل المجلس، تحت شعار أن لا سلطة تشريعية تعمل اذا تعطلت الرئاسة، وأن على رئيس المجلس الذي حُمل جانبا من مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة أن يذوق طعم التعطيل في العمل البرلماني. فبات التشريع محكوما بانتخاب رئيس، فيما انتخاب الرئيس عالق على باب الرابية ينتظر نضوج الاقتناع لدى جنرالها بأن يتحول من مرشح رئاسي الى الناخب الأكبر بشروطه، وبالثمن الذي يتطلبه التنازل لمرشح آخر!
تعطل المجلس لأشهر وتحديدا منذ الخامس والعشرين من أيار الماضي، بعدما كان شرع في التشريع بعد تشكيل الحكومة السلامية، وأنجز ما يقارب 25 قانونا من أصل جدول أعمال يضم 25 بندا هي في الواقع حصيلة مشاريع القوانين المتراكمة في المجلس منذ التعطيل الاول الناجم عن تعليق "تيار المستقبل" مشاركته في الجلسات التشريعية بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
اختلفت هوية الفريق المعطل، لكن السبب واحد: عدم جواز ممارسة الرئاسة الثانية صلاحياتها في حال تعطل سلطتي الرئاستين الاولى والثالثة. وكل فريق يساند حليفه في هذا الموقف.
أدرك الرئيس نبيه بري الخطر الذي بات يتهدد السلطة التشريعية، ورفض مقايضة العمل الحكومي بالعمل التشريعي. فاستمرت الحكومة بالانتاج في ظل تفاهم سياسي واضح على ضرورة تفادي التعطيل الحكومي، ولا سيما بعدما أوكلت الى الحكومة صلاحيات الرئاسة.
لكن بري المدرك عدم جواز استمرار التعطيل، لما له من انعكاسات على اعادة تكوين السلطة في البلاد، بما أن الانتخاب معطل لأجل غير محدد، استعاد زمام المبادرة متلقفاً كرة مرسوم دعوة الهيئات الناخبة عن مجلس الوزراء، ليعلن أن كل الطرق تؤدي بالنتيجة الى... المجلس.
لا يزال رئيس المجلس على اقتناع تام بأن الاولوية يجب أن تصب دائما في اتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويكشف أمام "النهار" أنه لا يوفر سبيلا للوساطة الى جانب النائب وليد جنبلاط لايجاد مخرج يؤدي الى ملء الشغور الرئاسي. ويعي أن الامر لا يزال يحتاج الى المزيد من المبادرات والمساعي. ولهذا يرفض الخوض في الحديث عن التمديد. ويسأل "لماذا طرح التمديد للمجلس النيابي، ولا يزال امامنا بعد الوقت الكافي لانجاز الاستحقاق الرئاسي؟" مضيفاً أنه "لا يزال امام انتهاء ولاية المجلس 3 أشهر حتى 20 تشرين الثاني المقبل، وهي مهلة كافية لانتخاب رئيس، اذا حصل التوافق الداخلي على هذا الموضوع الملح".
لا يعطي بري العامل الخارجي أولوية في هذا الشأن. "فالعالم منشغل عنا اليوم. وكل ما يهم المجتمع العربي والدولي هو أن ينعم لبنان بالاستقرار وأن يفعّل عمل مؤسساته الدستورية لتتولى مسؤولياتها في التعامل مع الاوضاع المحيطة والاخطار المحدقة بالبلاد. لكن القرار الاخير يبقى في الداخل ومن مسؤولية اللبنانيين أنفسهم. وثمة فرصة حقيقية متاحة امامنا من أجل التوصل الى توافق يؤدي الى انتخاب رئيس جديد وتفعيل عمل كل المؤسسات.
وعليه، فان بري يعمل كأن الانتخابات حاصلة في موعدها، وينبه الى المواضيع التي تحتاج الى قوانين، وكأن أبواب المجلس مفتوحة، ويسعى الى اتمام الاستحقاق الرئاسي وكأنه ممكن قبل انتهاء ولاية المجلس.
ولا يوفر لحظة من دون أن يذكر بالمشاريع الحيوية والملحة التي تتطلب فتح ابواب المجلس، والبداية حكماً من حيث علقت الجلسة العامة الاخيرة عند سلسلة الرتب والرواتب، ثم قانون الاوروبوند فقانون الايجارات، ثم الموازنة العامة للسنة الحالية، من دون أن يفوته التذكير بأن المشروع موجود لدى الحكومة منذ شهرين، كاشفاً أنه سيستتبع بمشروع سنة 2015 قبل نهاية الشهر الجاري وضمن المهلة الدستورية. اما الاهم، فمرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي أقرته الحكومة بتأخير يومين عن المهلة القانونية له، مما يستوجب قانونا لتصحيح المهل.
ويخلص بري في تعداده للأمور الملحة بالامر الاكثر الحاحا، والذي على أساسه اشترط التمديد الاول للمجلس: اقرار قانون جديد للانتخاب. ويعود لهذه الغاية بالذاكرة الى الفترة التي أقر فيها التمديد والظروف الامنية التي رافقته: احداث طرابلس وصيدا.
ولا يخفي قلقه من الوضع الامني، مذكرا بأحداث عرسال الاخيرة، ليخلص الى تحديد اولويات المرحلة المقبلة: الرئاسة ثم تفعيل المؤسسات.