من غير المحتمل ان تؤدي الحركة النشطة التي يقوم بها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في اتجاه الزعماء السياسيين المسيحيين وسواهم الى نتائج ايجابية لجهة امكان نسج نقاط توافق بين الافرقاء يمكن ان تسفر عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المدى المنظور، وذلك بالاستناد الى ما اطلعت عليه مصادر ديبلوماسية من لقائيه مع كل من الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس التكتل العوني العماد ميشال عون. حين بدأ النائب جنبلاط تحركه، أمل كثر، وبناء على الاعتقاد بقوة الرادارات السياسية لديه، ان يكون هذا التحرك ممهداً لانضاج توافق محتمل في المدى المنظور استناداً الى ما روجه كثر عن امكان حصول الانتخابات في الخريف بدءاً من ايلول المقبل. لكن اطلالة الامين العام للحزب معلناً تمسكه بالمرشح المعروف كانت بمثابة اعلان صريح انه ان لم يكن تحرك جنبلاط قد اسفر عن نتيجة ما، فهو ان ليس من ضوء أخضر اقليمي بعد يسمح للحزب تحديدا او للفريق الذي يدور في فلكه بأن يزيح عن هذا الخيار عملاً بالمبدأ الذي اتبع في تأليف الحكومة حيث ظل الاصرار لاشهر على معادلة 9-9-6 قبل ان تحل المسألة بسحر ساحر بمعادلة 8-8-8 التي كانت مرفوضة سابقا وفق ما يعتبر سياسيون من الفريق الخصم.

هل أضاف السيد نصرالله جديداً بتأكيد تمسكه بترشح العماد عون في ضوء التطورات الاخيرة خصوصاً التطورات العراقية التي أعلت الآمال بانسحاب التسوية الاقليمية على لبنان؟
لا يعتبر سياسيون متابعون انه فعل بمعنى احتمال ان يكون موقفه شكل محطة مفصلية على صعيد اعلان دعم غير مسبوق للمرشح المعروف لدى الحزب. في السياق الذي أتى به موقف السيد نصرالله مستعيداً نصراً على اسرائيل حققه الحزب في العام 2006، ومبرراً منطق تدخل الحزب وحربه في سوريا، بدا لبعض المتابعين ان مغزى اعلانه هو وجوب عدم توقع تغييرات او تنازلات في الموقف الايراني تتبع التنازل عن نوري المالكي في العراق، في حين بدا ذلك لآخرين تكراراً لما هو معروف ليس الا. وتقر مصادر ديبلوماسية ان الحزب كان ولا يزال يلعب لعبة ذكية وموفقة جداً في موضوع الانتخابات ما دام يختبىء وراء رغبة عون في بقائه مرشحاً من أجل الا يظهر هو او ايران من ورائه كما النظام السوري معرقلاً للانتخابات الرئاسية التي تأتي بالرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الى رئاسة الجمهورية. كما يعمد في اطار التحرك الذكي أيضاً الى ملاقاة مواقف خارجية بالدعوة الى التوافق الداخلي بين اللبنانيين على الاستحقاق الانتخابي وعدم انتظار الخارج رامياً كرة انتظار المواقف الخارجية على خصومه في ضوء اعلان هؤلاء ان ما يعرقل الانتخابات هو رفض ايران تسهيل حصول الانتخابات في المرحلة الراهنة لعدم قدرتها في ايصال من يطمئن اليه الحزب ويرتاح له وتالياً ضرورة حصول توافق اقليمي ضاغط يدفع اللبنانيين الى التوافق. (ويشير البعض في هذا الاطار الى تناقض موقف الفريق الشيعي مع موقف العماد عون نفسه الساعي الى تذليل ما يعتقد انها عقبات اقليمية امام وصوله الى الرئاسة.)
لكن ذلك لم يغير الاعتقاد أيضاً لدى العديد من السياسيين بأن هذا الدعم العلني المتجدد من جهة السيد نصرالله هو فقط في انتظار استنزاف هذه الورقة والحصول على الاثمان المناسبة في المقابل حين تحين اللحظة المناسبة خصوصاً انه لا يزال يربط الدعم لعون ببقاء ترشحه ما يعني ان الباب يبقى مفتوحاً أمام ايجاد المخرج المناسب. ويخشى هؤلاء الا يكون المجال لأي جديد يمكن ان يطرأ على المناخ الداخلي ككل تسهيلاً لاستحقاقاته. اذ لم تنجح الضغوط من أجل اقرار السلسلة او تأمين انعقاد مجلس النواب لاقرارها او للاتفاق على أسسها، فيما كان الاضراب الذي نفذته النقابات مدعوماً من قوى سياسية معروفة كارثياً على اكثر من مستوى نقابي وطلابي واجتماعي وسياسي وان لم تكن الاطراف السياسية المحرضة او الداعمة في الواجهة علماً ان الملف تفجر داخل قوى 8 آذار وبين بعضها البعض. كما ان احداث عرسال الخطيرة لم تشكل حافزاً للمسارعة في اقفال الملف الرئاسي ولا يعتقد ان اقفاله ايا كانت الطريقة التي اعتمدت يمكن ان تفتح الباب للموضوع الرئاسي كما ترقب كثر.
أضف الى ذلك ان الهم السياسي الطاغي أصبح في اتجاه كيف يمكن تمرير التمديد لمجلس النواب وما اذا كان ممكنا ذلك لمدة مكملة لولاية كاملة للمجلس ام لبضعة أشهر فقط في ظل رفض ظاهري فقط من افرقاء سياسيين للتمديد ومحاولة افتعال خلافات حوله من خلال رمي كرة المطالبة به على عاتق افرقاء سياسيين ورفضهم من آخرين ما يفتح باب المزايدات السياسية على نحو مماثل لما حصل في موضوع سلسلة الرتب والرواتب واكثر. ذلك علماً ان التمديد لمجلس النواب حاصل بالتأكيد من دون اي لبس او غموض. وحدها حركة جنبلاط اليتيمة تكتسب بعداً ايجابياً مبدئياً في أوساط عدة كونها تبقي الضوء مسلطاً على الفراغ في موقع الرئاسة الاولى ومبيناً جهوداً على هذا الصعيد لا تسمح للتمديد للمجلس بأن يطغى على الاستحقاق الاساس او تغيبه جنباً الى جنب مع صراخ البطريرك الماروني الذي يعلو مندداً او مستصرخاً الضمائر من دون اي نتيجة تذكر.