بالرغم من كون المبادرة التي أطلقها الوزير بطرس حرب ممتازة لجهة اقتراحه على رئيس مجلس النواب نبيه بري انتخاب الرئيس في الدورة الثانية، وما يليها، بنصاب الاكثرية المطلقة من أجل الخروج من مأزق التعطيل الذي يمارسه الجنرال ميشال عون و"حزب الله" في شكل منهجي، فإن حرب هو أكثر العارفين أن القضية ليست تقنية، بل أن التعطيل هو انعكاس لقرار بالتعطيل، أكان الأمر بواسطة اشتراط نصاب الثلثين، أم من خلال أي وسيلة أخرى سياسية كانت أم غير سياسية. ثمة قرار كبير بالإبقاء على شغور رئاسي في لبنان، في انتظار تطورات المنطقة، وكل ما يحكى عن لبننة الاستحقاق، أو عن أن قرار عون بتصدر مشهد التعطيل نابع من أسباب شخصية، مناقضة لحقيقة مفادها أن الاستحقاق الرئاسي، ما دام في عهدة "حزب الله"، فإن قراره أصبح في طهران حكماً.
إن الجانب اللبناني في التعطيل الرئاسي هامشي، أما الاقليمي فأساسي، وتبعاً لذلك يتصرف الأطراف اللبنانيون من خلال اتصالاتهم التي يجرونها بالقوى الوازنة اقليمياً، إضافة الى الاميركيين، وبدرجة أقل مع الفرنسيين، باعتبار أن لهم كلمة مسموعة أميركياً في الملف اللبناني. وبناء عليه، يكون مصير أي مقترح يقدم لرئيس مجلس النواب مناورة يستحيل أن تكون في مكانها.
قيل الكثير في "تفاهمات العراق" وانعكاساتها على بقية الملفات الساخنة في المنطقة. حتى ان البعض في الوسط السياسي اللبناني اعتبر أن تلك "التفاهمات" التي أطاحت نوري المالكي، سوف تؤدي الى إفراج الايرانيين عن الاستحقاق الرئاسي، عبر تحديد اسم أو أكثر لتسوية معقولة بين طرفي المعادلة الاقليمية وامتدادهما في لبنان. ومع ذلك نقول إن ما كان يصح في العراق قد لا يصح في لبنان، لأن الوضع هناك بلغ حافة الهاوية، وان تغيير المالكي برئيس حكومة آخر من فريقه السياسي انما حصل تحت النار، وفي وقت تمددت فيه "داعش" على ثلث مساحة العراق. أما في لبنان فقد توقفت "التفاهمات" عند نقطة التهدئة وتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، ولم تتعداها الى الاستحقاق الرئاسي الذي يبقى معلقاً، باعتبار أن وصول عون الى الرئاسة سيكون بمثابة انتصار لتحالف اقليمي تقوده طهران.
حصلت "تفاهمات" اقليمية ودولية في العراق أقصت نوري المالكي من دون أن تضعف موقع طهران، ولكن العامل الاميركي عاد أقوى من بوابة مقاتلة "داعش"، وبذلك فإن توازناً جديداً سيقوم بين طهران وواشنطن وبينهما الرياض (حامية السنة) لتهدئة الساحة العراقية وإعادتها الى شيء من التوازن. بالنسبة الى لبنان، لا يبدو أحد في عجلة من أمره، والحكومة الحالية معقولة ومقبولة الى حد بعيد، أما الاستقرار فرهن باستمرار التهدئة خارجياً وداخلياً.