ليس خافياً على أحد وليس غريباً على الاطلاق ان تتصاعد معالم الخوف لدى المسيحيين اللبنانيين تحديداً، عقب عمليات التهجير والتصفيات الاجرامية التي تعرضت وتتعرض لها الاقليات المسيحية وغير المسيحية على ايدي ارهابيي "الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا، علماً ان هذه المخاوف ليست حكراً على المسيحيين وحدهم بل تشمل جميع اللبنانيين منذ احداث عرسال. ومع ذلك ثمة سؤال بدأ يطرح عن خلفيات هذا الواقع من غير أن يظهر بعد الى العلن بصراحة وهو هل يلجأ مسيحيو لبنان مرة أخرى الى التسلح على غرار ما فعلوا في العام 1975 حين حملوا السلاح في وجوه الفلسطينيين وسواهم؟ وبكلام أوضح هل يخرج المسيحيون على منطق حماية الدولة الشرعية وقواها المسلحة لتأمين الحماية الذاتية لوجودهم؟
نثير هذا الجانب المتفاعل لدى المسيحيين لا لسبب إلاّ لأن أصواتاً بدأت ترتفع على خلفية الخطر الاصولي المتطرف الذي يهدد بتغيير وجه المنطقة بأسرها ومعها وجه العروبة الحضارية وأولاً وأخيراً الاسلام الحقيقي نفسه. كما يدفعنا الى المفاتحة العلنية في هذا الشأن اننا نلمس مع سائر اللبنانيين وحدة حال أو إجماعاً لبنانياً على الاقل على توصيف خطر "الدولة الإسلامية" والظاهرة الاصولية التكفيرية الاجرامية، ولكن من دون توحيد الرؤية لمواجهة هذا الخطر. وكان آخر من عبّر عن ذلك السيد حسن نصرالله الذي التقى مع آخرين من ذوي اتجاهات مختلفة في الحديث عن "الخطر الوجودي " الذي يواجهه لبنان والمنطقة. لكننا نسارع الى السؤال هل يكفي ان يتحد اللبنانيون على وصف الخطر وطبيعته فيما كل شيء آخر هو عرضة للنزاع والانقسام والشرذمة، بل حتى الذهاب الى ازمات تتدافع الواحدة منها على نار الاخرى؟
نحن لا نرى في أي شكل من الاشكال أن الخطر على المسيحيين ينبغي ان يدفعهم الى الخروج على منطق حماية الدولة لجميع اللبنانيين، مما يعني ان أي نزعة الى اعادة منطق الحمايات الذاتية لن تكون في مصلحة المسيحيين ولا اللبنانيين جميعا. وتبعاً لذلك، سيكون من الخطورة بمكان ان توظف ازمة الفراغ الرئاسي لأي دافع بالمناداة بمشاريع تحمل بذور الخطر على المسيحيين ووحدة لبنان كالفيديرالية وسواها، ذلك ان اتجاهات كهذه، حتى لو كان طرحها مبرراً في ظروف معينة، ستكتسب الآن صفة استفزازية للطوائف الاخرى، ناهيك بمعناها الواضح في تقويض الصيغة الميثاقية التي قام عليها اتفاق الطائف. فأين مصلحة المسيحيين في هذه الظروف غير المسبوقة بخطورتها في التلاعب بالميثاق الوطني وفتح الابواب أمام مجهول لا يعرف أحد الى اين يودي بهم وبلبنان؟
امام هذا كله ترانا نتساءل لماذا لا ينبري المسيحيون بكل قواهم الى الذهاب الى بيت القصيد مباشرة وهو سد منافذ كل الشرور التي تتهدد لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار ان ملء مركز الرئاسة وحده سيكون كفيلاً بحماية لبنان باكبر قدر من التحصين السياسي والامني والمعنوي، كما انه سيقفل باب الذرائع للتمديد لمجلس النواب؟ واذا كان السيد نصرالله حريصاً على ملاقاة الآخرين في مواجهة "الدولة الإسلامية"، وعلى رغم عدم اقتناعنا بتبريراته لبقاء حزبه في سوريا والتنكر لأثر تورطه في استدراج الارهاب التكفيري الى لبنان، فلماذا لا يبادر الى اتخاذ الموقف المرن المطلوب بفتح باب التوافق على رئيس جديد بدل سد الطريق على أي كلام أو مسعى لإنهاء ازمة الفراغ الرئاسي كما فعل؟