قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " سورة الروم آية 30 . فالمُراد بالدين في هذه الاية هو الاسلام , لقوله سبحانه وتعالى في أية 19 من سورة آل عمران " إن الدين عند الله الاسلام " .
لقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم (ص) , أن يستقيم على الاسلام , لأن جميع مبادئه وتعاليمه ترتكز على ما فطر الله الناس عليه , وأكد سبحانه أنها ثابتة لا تبديل فيها , ولا تبديل وتغيير لخلقه وشريعته .
أراد الله سبحانه أن يؤكد بأنه أنزل الاسلام دينا متوافقا مع فطرة الانسان , ما دام إنسانا متمسكا بإنسانيته , ولم تخرجه عن إنسانيته أيّ ثقافة وتربية , ولم تشوه فطرته ظروفٌ موضوعية أو غير موضوعية .
فالفطرة هي طبيعة خلقها الله في الانسان تتقبل وتتلاءم مع تعاليم الله وتشريعاته , ليس كما هو شائع بأن الانسان مفطورا على التوحيد فقط , وإنما كما قلنا إن المقصود من الفطرة في الاية الكريمة هو أن الله خلق الانسان بطبيعة تتلاءم مع تعاليمه وتشريعاته , وتتلاءم مع المقاصد الكبرى للتشريع , فكل إنسان سواء كان مؤمنا أم غير مؤمن , موحدا أم غير موحد , له حاجيات فطرية , مثل الاكل والشرب والمسكن والزواج , لا بد من تشريعات تنظم له كيف يمكنه تأمينها , كذلك كل إنسان بفطرته يسعى إلى الحرية والكرامة ولا بد من أن تُحفظ له هذه الحقوق في كل زمان ومكان .
فالاسلام أنزل تشريعات وتعاليم تتوافق مع الفطرة الانسانية السليمة , وفطر الناس عليها , كي يحفظ له حقوقه , ويحفظها الانسان بفطرته ويسعى لها , من هنا نقول لا يمكن أن يوجد في الاسلام تعاليم وتشريعات لا تتلاءم مع الفطرة الانسانية , واذا وجد هذا الامر " أي أنه إذا وُجد في الاسلام تعاليم وتشريعات لا تتلاءم مع الفطرة الانسانية السليمة ", فيكون هذا من خارج الاسلام , ومن صنع الانسان وليس له علاقة بتشريعات الاسلام الصحيحة والواقعية , وقد ذكر القرآن مثل هذه الحالات التي يدُسها الانسان في الدين وهي ليست من الدين , حيث قال في سورة البقرة : " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " .
عندما نقول إن الاسلام دين يصلح لكل زمان ومكان , ينبغي أن يكون الاسلام متلائما مع الفطرة الانسانية لكي تتقبله هذه الفطرة السليمة , لذلك فإن الاسلام وضع جميع أحكامه وتعاليمه وقوانينه على أساس ملاءمة الفطرة وعلى أساس حفظ حقوق الانسان , وعلى أساس العدل والمساواة , وقال للإنسان لك ما يرضيك وعليك واجبات , ففي الرواية عن الامام أبي جعفر عليه السلام أنه قال : ثلاث خصال من كنّ فيه , أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل الا ظله :
1- رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم , يعني مقتضى العدل والمساواة هو أن لا تطلب من الناس أن يقدموا لك كل ما تريده وكل ما يرضيك وانت لا تقدم لهم شيئا , فكما انه لك حقوقا على الناس فعليك أيضا واجبات تجاه الناس .
2- ورجل لم يقدم رجلا ولم يؤخر رجلا حتى يعلم أن في ذلك رضى لله : وهذا ايضا مقتضى الانصاف مع الله سبحانه وتعالى , أنك أيها الانسان لا يحق لك أن تتحرك وتنطلق في الحياة كما تشاء ومن دون مراعاة لأحكام الله وتعاليمه , وتطلب من الله ما تشاء ويحلو لك ويرضيك دون مراعاة الواجبات المفروضة عليك في المقابل .
3- ورجل لم يَعِب أخاه المسلم بعيب , قبل أن ينفي ذلك العيب عن نفسه , وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس :
وهذا أيضا من تعاليم الله التي تحفظ حقوق الناس في حفظ الحرية والكرامة , فلا يجوز للإنسان أن يتربع على عرش النقد والارشاد قبل أن ينتقد نفسه ويرشدها , والا يكون هذا ظلم للنفس وللعباد .
هكذا يقود الاسلام الحياة , بعد أن ينصف الانسان بطبيعة الخَلق والتكوين , وإنزال الرسل والمبلغين , محملين بتعاليم وتشريعات تتلاءم مع الفطرة الانسانية السليمة .