وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى منتجع سوتشي الروسي من البوابة السعوديّة. زيارة المملكة قبل الوصول الى روسيا لها دلالات، وفي سوتشي تحديداً أسرار كثيرة، إذ سبق أن فتحت أبوابها لوزير الخارجيّة السعودي الأمير سعود الفيصل الذي تباحث مطوّلاً مع الرئيس فلاديمير بوتين.
ما يُقال في بعض المجالس الديبلوماسيّة، إنّ الملك عبدالله بن عبد العزيز إتفق مع الرئيس المصري على ضرورة العمل معاً للمّ الشمل العربي، ونسّقا توزيع الأدوار إنطلاقاً من أنّ المشملكة مرتبطة تاريخيّاً بتحالفات أمنيّة وإقتصاديّة مع الولايات المتحدة، وأنّ مصر بقيادة السيسي قادرة على بناء تحالفات أمنيّة وإقتصاديّة مع روسيا.وإستناداً الى هذه المجالس، يبدو أنّ الإتفاق كان واضحاً بين الرئيسين الروسي والمصري على «توسيع التعاون العسكري والتقني، بما في ذلك تزويد مصر معدّات حديثة، وإجراء مناورات مشترَكة». ويُقال إنّ الأمير الفيصل خلال محادثاته في سوتشي، «ضمن للرئيس بوتين جزءاً مهمّاً من التغطية الماليّة لهذه الصفقة».
في الإقتصاد، وعد السيسي بالمساعدة على إنشاء منطقة صناعيّة روسيّة في إطار مشروع توسيع قناة السويس الذي دشّنه الأسبوع الماضي. من جهته وعد بوتين ضيفه بتقديم تسهيلاتٍ واسعة لوصول البضائع المصريّة الى الأسواق الروسيّة، وتنظر موسكو الى مصر بإعتبارها أحد البلدان الأساسية لتعويض نقص محتمل في المواد الغذائيّة بسبب سياسة العقوبات التي ينتهجها الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ضدّها على خلفية تورّطها في الأزمة الأوكرانيّة.
والظاهر من الأكمّة يوحي بالكثير، ذلك أنّ الرئيس المصري مصمّم على إعادة بناء جسور التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة. إنه متأثر الى حدّ بعيد بالحقبة الناصريّة، والجسر الذي أشاده الرئيس جمال عبد الناصر مع الإتحاد السوفياتي، وأثمَر تعاوناً في بناء سدّ أسوان العظيم، وإستضافة أكثر من خمسين ألف خبير يعملون في مجالات الصناعات الحربيّة، والإقتصاد، والتنمية، قبل أن يطردهم الرئيس أنور السادات بعدما قرّر الإرتماء في الحضن الأميركي، والقيام بزيارته التاريخيّة الى إسرائيل ليوقّع معها فيما بعد إتفاق كمب دايفيد.
ما يريده السيسي ويتوق اليه بناء جسور التعاون مع كلّ من سوريا والعراق مستعيناً بالدعم الروسي نظراً لما لموسكو من نفوذ في هذا المجال. إنه يعرف جيداً حجم النفوذ الإيراني في كلّ من لبنان وسوريا والعراق، ويعرف مدى خطورة طموحات الرئيس التركي المنتخب رجب الطيّب أردوغان، بعد تورّطه في النزاع داخل سوريا، وأيضاً في العراق لكن بنسب أقل، ومن خلال القنوات السرّية.
وفي سوتشي يسأل السيسي محاوره عن نظرة موسكو لموضوع الأقليات في الشرق الأوسط بعدما اقتلع تنظيم «داعش» المسيحيين والأيزيدييّن من الموصل تحت مظلّة واسعة من التواطؤ الدولي. يذكّره بأنّ في مصر أقليات قبطيّة يستهدفها الإرهاب «الإخواني»، ولبنان بلد الأقليات مستهدَفٌ من الأصوليات، وفي سوريا خليط لا بأس به يدفع الثمن باهظاً، وكذلك في العراق الماثل تحت المقصلة «الداعشيّة»، وما بين عامَي 2012 - 2013، كان للكنيسة الروسيّة حراكٌ في المنطقة، وحرصٌ شديد على الأقليات وضرورة حمايتها. فهل تخلّت موسكو عن تلك الإلتزامات؟!
في لبنان سبق لوزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل أن فتح في القاهرة مجموعةً من الملفات التي تُتعب لبنان وتنهكه، النزوح السوري، المخيّمات الفلسطينيّة، الإرهاب وتداعيات الأزمة السوريّة. ويقال إنّ الرئيس المصري بدأ يعير إهتماماً الى هذه الملفات، ويتابع مجريات الأمور أوّلاً بأوّل. إنه مصمّم على إعادة ترميم الجسور، وهو يعرف أنّ بيروت هي البوّابة الرئيسة للوصول الى دمشق، ومنها الى بغداد.
ليس من تحرّك مصري معلن حتى الآن لإحتضان الملف الرئاسي، لكنّ الدور المصري آتٍ بمباركة سعوديّة، ولبنان كان بنداً في محادثات السيسي مع الملك عبدالله بن عبد العزيز، وأيضاً مع بوتين في سوتشي.