عندما أرجأ الرئيس نبيه بري جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى 2 أيلول اعتبر البعض ذلك مماطلة أو إضاعة وقت، في حين أن الرئيس بري أراد إعطاء فسحة جديدة من الوقت لإجراء مزيد من الاتصالات والمشاورات توصلاً إلى حلحلة عقدة الانتخاب حتى إذا نجحت في تحقيق ذلك تكون قد حلّت عقدة الخلاف على التمديد لمجلس النواب، وكأن الرئيس بري أيضاً من خلال تأجيل جلسة الانتخاب مدة ثلاثة أسابيع كان يتطلع إلى ما يجري في العراق علّ التطورات فيه تنعكس إيجاباً على أزمة الانتخابات الرئاسية إذا ما سارت الأمور سيراً طبيعياً في تشكيل حكومة وحدة وطنية في هذه الدولة الشقيقة.
وتختلف الآراء في الاوساط الرسمية والديبلوماسية والسياسية في تفسير ما يجري في العراق. فمن قائل إن مصالح الدول المعنية التقت على استبعاد نوري المالكي رئيس الحكومة الحالية وتكليف حيدر العبادي تشكيل حكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية في العراق، كي تستطيع التصدي للحركات الاصولية والارهابية صفاً واحداً، لا أن تستفيد هذه الحركات من الانقسامات السياسية، ولاسيما المذهبية الحادة، فتسجل تقدماً على الأرض يهدد وحدة العراق ويساهم في رسم خريطة جديدة فيها لم تظهر معالمها بعد. لذلك يرى أصحاب هذا الرأي أنه لا بد من انتظار تطورات أزمة تشكيل حكومة جديدة في العراق كي يبنى على الشيء مقتضاه في لبنان.
وثمة من يرى أن مصالح الدول المعنية إذا كانت قد التقت في العراق على موقف واحد جعلها تؤيد تكليف حيدر العبادي تشكيل حكومة وحدة وطنية واستبعاد المالكي، فإن هذه المصالح قد لا تلتقي في لبنان ويكون موقفها واحداً من أزمة الانتخابات الرئاسية، لذلك فإن أصحاب هذا الرأي لا يربطون بين معطيات الوضع في العراق ومعطيات الوضع في لبنان لان نظرة الدول إلى كل منهما مختلفة، وعندما تنجلي الصورة يصير في الامكان توقّع ما يمكن أن تنتهي إليه ازمة الانتخابات الرئاسية في لبنان، وهل في الامكان التوصل الى اتفاق على حل هذه الازمة وحل أزمة التمديد أو عدم التمديد لمجلس النواب في وقت واحد.
في معلومات سياسي متابع أن العماد ميشال عون أعاد اتصالاته بالسعودية ظناً منه أن التقاءها مع إيران على موقف واحد من تشكيل حكومة عراقية جديدة ربما يجعلهما تلتقيان أيضاً على موقف واحد من الانتخابات الرئاسية في لبنان فتعود حظوظه الى الارتفاع، ذلك أنه يعتقد أن السعودية التي لم تؤيد ترشحه للرئاسة الاولى جعلت النواب السنّة في لبنان ولاسيما "تيار المستقبل"، لا يؤيدون هذا الترشح وإن كان الصحيح هو العكس أي أن موقف السنة المناهض لترشيح عون هو الذي جعل السعودية لا يؤيد ترشيحه. وعن عقدة إجراء انتخابات رئاسية يقول السياسي نفسه إن مرشحَين يقفان على باب الرئاسة الأولى هما الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون ويسدانه. وإذا كان جعجع قد زاح ولو قليلاً عن هذا الباب، فإن عون لم يزح حتى الآن عنه قيد أنملة وهو غير مستعد أن يفعل إلا إذا طلب منه ذلك من وعدوه بتأييده أو صوّروا له ذلك وهم على الأخص الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله والسعودية التي لم تبلغه أي موقف حتى الآن كي يعيد النظر في حساباته.
والسؤال المطروح هو: ما العمل لجعل العماد عون ينسحب من معركة الانتخابات الرئاسية ومَنْ من الجهات التي تمون ستطلب منه ذلك؟ وما العمل إذا لم تطلب لئلا تتحمّل ردّ فعل عون فيكشف عما هو مستور... وإذا ابدى عون استعداده للانسحاب من المعركة فما هو الثمن السياسي الذي يطلبه، وهل في الإمكان دفعه، ومن الذي يتعهد دفعه ويضمن ذلك؟ أهو المرشح الذي يتم التوافق عليه أم المجموعة التي تؤيد هذا المرشح؟
ثمة من يقول إن العماد عون قد يشترط أن تكون ولاية الرئيس العتيد سنتين فقط، على أن يتولى مجلس نواب منبثق من انتخابات نيابية جديدة تجرى على أساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، انتخاب رئيس جديد للجمهورية عند انقضاء السنتين. وثمة من يقول إن العماد عون قد يطلب مقابل العزوف عن ترشحه للرئاسة الأولى قانوناً للانتخابات يضمن له العودة بأكبر كتلة نيابية لا بل بأكثرية مع حلفائه يكون لها الحكم كاملاً برئاسة جمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة حكومة... أو أن آخر ما يطلبه إذا لم يحصل على شيء من ذلك، ضمان تعيين من يخصه في مراكز إدارية وأمنية وعسكرية تجعله شريكاً في الحكم مع أي رئيس أو حكومة.
يقول مسؤول سابق تعليقاً على كل هذه الافتراضات إن العماد عون يستطيع أن يقبض الآن ثمن انسحابه من معركة الانتخابات الرئاسية، أما انتظار الغد فإن انسحابه يصير "ببلاش"... ذلك أن الخلو لا يدفع لمن لا يشغل المأجور إنما لمن يشغله وهو لا يزال منشغلاً بكيفية التوصل إلى إشغاله...