صعودان أساسيّان جعلا من الطائفة الشيعية قوّة فاعلة في لبنان ومن ثمّ مسيطرة سياسياً واستهلاكياً على غيّرها من الطوائف ويمكن اعتبار الصعود الأول موصولاً باختفاء الامام السيّد موسى الصدر بمبادرة عربية نفذها القذافي عن طيب خاطر. وارتباط الصعود الثاني بالانتصار وبمحطاته كافة وامكانية اعتبارها القطار الذي نقل الشيعية السياسية الى قُمرة القيادة لطوائف خلت من موازين القوّة .
جاء الاختفاء لرجل أحيا الطائفة بعد موت سريري لها نتيجة سقوط العائلات الاقطاعية في الممارسة السياسية داخل الدولة ونتيجة لصعود تيّارات العلمنة المشبعة بمواقف سلبية من الطائفية والمذهبية والدينية والمصطدمة بجُدر النظام الطائفي . لتستنهض مارد الحرمان وبطريقة جنونية غلب فيها الآخرين من علمانيين وطائفيين واستطاع أن يحسم الساحة اللبنانية المفتوحة على فضاءات وتوازنات داخلية وخارجية لصالح قطب طائفي(نبيه بري) تحكّم بمسار السياسات اللبنانية ولصالح محور عربي (سوريا ) أعاد الدمج الطائفي في الدولة لصالح الحلفاء والاتباع من أهل الملل والنحل ونعى العائلات السياسية من أحزاب العلمنة واستلحق بعضها في الأدوار الطائفية وأعطى النظام الطائفي في لبنان جرعة مسمومة أفسدته من جهة وأعطته مناعة ضدّ أيّ فيروس اصلاحي غريب عن جوهره ومعدنه الطائفي .
لقد فعل الانتصار فعله في طائفة أصبحت مسكونة بالانتصار و"تعتاش" على أمجاده وتستشعر عظمتها في أدوار تاريخية نجحت في امتحاناتها بدءّا من الحرب الأهلية وزواريبها المتعددة مروراً بالاجتياح الاسرائيلي والتحرر منه ووصولاً الى التصدّع المذهبي في الجدار العربي وانتفاخ العضلة الطائفية للدفاع عن هاجس القوّة ضدّ كلّ الاتجاهات تحت نظرية المؤامرة التي تريد اسقاط أمجاد طائفة استثنائية انتصرت على العدو الخارجي وتسهم في الانتصار على العدو الداخلي باعتبار النصر أحد مستلزماتها للبقاء في وجود محاط بأكثرية خسرت رهاناتها مع العدو ودورها في الاستمرار كنخب سلطوية .
ما ألت اليها الأسباب لصعود نجم طائفة مما ذكرنا يدفع مجدداً الى الانتباه من مغبة النتائج التي قدّ لا تكون حلوة في كثير من معطياتها لأن أكثر السموم فتكاً تعطى في العسل وعلينا المُحاذرة من مغبّات الفتن المسقطة للفرد وللجماعة في جور المعصية ألم يذكر القرآن الكريم عناوين جميلة من زينة التفاخر واعتبارها فتنة للبشر من قبل الأولاد والأموال والغرور في الانتصار ...؟