في المعلن، الاولوية في الحركة السياسية النشطة منذ عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت وقبيل مغادرته لها مجددا الى جدة لمتابعة آلية تنفيذ الهبة السعودية، هي لانتخاب رئيس للجمهورية. أما في المضمر الذي يشكل جوهر تلك الحركة، فان الاتصالات جارية وبكثافة من أجل انجاز التمديد للمجلس النيابي، والسعي جارٍ من اجل ان يحظى هذا الاستحقاق باجماع داخلي، وخصوصا أن التيار الوطني الحر لا يزال يعارض هذا الخيار ويطمح الى اجراء الانتخابات النيابية، أو على الاقل يرفض ان يقدم موافقته مجانا، فيما الاستحقاق الرئاسي لا يزال معلقاً على الساعة الخارجية. وبحسب مصادر نيابية، فان كل الهدف من الحركة الاخيرة يرمي الى تفعيل المجلس.
واذا كان الكلام على تمديد ولاية المجلس بدأ يتقدم على ما عداه من الاستحقاقات الداخلية ولا سيما استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فان الحركة السياسية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري خلال وجوده في بيروت فتحت النقاش حول مسألة الهبة السعودية الجديدة بقيمة مليار دولار، والتي كلف العاهل السعودي الحريري توزيعها.
ذلك أن الهبة التي قررتها المملكة "بديلا" من السابقة ( والتي سبق لـ "النهار" أن أشارت الى تجميدها) والرامية الى مواجهة الارهاب على خلفية احداث عرسال الاخيرة، أثارت تساؤلات حول وجهة استعمالها والاجهزة الامنية والعسكرية التي ستستفيد منها وبأي توزيع، خصوصاً ان كل الاجهزة معنية بمواجهة الارهاب.
أما اسباب هذه التساؤلات فتعود الى أن الاعلان عن الهبة تزامن مع قرار اتخذته قيادة "المستقبل" وقوى 14 آذار باطلاق حركة سياسية في اتجاه المطالبة بتوسيع القرار 1701 بحيث لا تقتصر مهمة القوة الدولية على الجنوب، بل تتعداها للانتشار على الحدود اللبنانية الاخرى التي تشهد تفلتا أمنيا. وهذه المطالبة تأتي على خلفية العجز الرسمي عن حماية الحدود ولا سيما مع سوريا، بما يعرض لبنان لكل أنواع الارهاب والتطرف الآتي من تلك الحدود ومن المناطق الساخنة فيها.
وتقول مصادر سياسية بارزة في قوى 14 آذار ان هذه القوى عازمة على رفع مذكرة الى الحكومة في الدرجة الاولى، ثم الى الامين العام للأمم المتحدة من اجل تسجيل مطالبتها هذه، مشيرة الى أن الهاجس من القنبلة الموقوتة التي يشكلها اللجوء السوري الى لبنان انفجر ولا بد من العمل على احتوائه بأقل الاضرار الممكنة على النسيج الداخلي اللبناني، وخصوصا أن الحكومة تقف عاجزة عن التعامل مع هذا الملف المتفجر.
وتعي هذه المصادر أن الموضوع يشكل مادة خلافية حادة لدى الفريق الآخر الذي يرى ان هذا المطلب لا يرمي الى تعطيل دخول الارهابيين والمجموعات المتطرفة لبنان، بل يهدف الى شل حركة عبور مقاتلي "حزب الله" من سوريا وإليها.
في المقابل، قالت مصادر في قوى 8 آذار أنه يستحيل على هذه القوى الموافقة على مثل هذا المطلب، كاشفة عن تعذر الحصول على توافق حكومي او دعم دولي لأكثر من سبب وعامل.
وأدرجت تلك الاسباب والعوامل في النقاط الآتية:
- أن أياً من الدول غير مستعد لنشر جنودها على الحدود اللبنانية السورية من دون ضمانات بعدم التعرض للجنود.
- أن أي توسيع للقرار 1701 سيؤدي الى فتح موضوع ترسيم الحدود ويثير الازمة القائمة حول مزارع شبعا.
- أن المطلوب في الدرجة الاولى تعزيز الجيش وايلاؤه هذه المهمة من ضمن تفاهم وتوافق داخليين.
وهذا يقود مجددا الى مسألة الهبة السعودية التي ينتظر أن تتبلور آلية توزيعها في جلسة مجلس الوزراء اليوم. اذ علم أن الموضوع سيطرحه رئيس الحكومة من خارج جدول الاعمال، وسيطلع الوزراء على محادثاته مع الحريري في هذا الشأن وعلى النتيجة التي خلص اليها الحريري في لقاءاته مع قادة الاجهزة الامنية والعسكرية، والذين دعاهم الى تقديم لوائح بحاجات مؤسساتهم، لنقلها الى المسؤولين السعوديين من أجل الموافقة عليها.
وتجدر الاشارة هنا الى أن المملكة سعت عبر هذه الهبة الى تلبية حاجات الجيش والقوى الامنية الاخرى بعدما تم تجميد الهبة السابقة تحت وطأة شروط خارجية غيرت في وجهة الهبة.
وأفادت مصادر وزارية أن آلية الهبة ستمر حكماً في مجلس الوزراء وسيحظى توزيعها بموافقة المجلس.