استعان نوري المالكي بقاموس بشار الاسد في دعوته ابناء الشعب المؤيدين له والقوات المسلحة والمتطوعين وابناء العشائر الى الحرب من اجل الدفاع عما يعتبره حقه في ولاية ثالثة في رئاسة مجلس الوزراء العراقي، فيما كشفت ابرز كتل البرلمان عن احتجاز رهائن في مقر الحكومة من عائلات ضباط كبار رفضوا اوامر المالكي القاضية بالانقلاب على العملية السياسية. وهذه خطوات كانت ابرز عناوين انطلاق الحرب الداخلية الاهلية التي شنها الرئيس السوري على معارضيه. فاقتبس المالكي المنطق نفسه مع تهديده بأن الحرب العراقية ستؤدي الى حرب في كل دول الجوار وهو ما قصده في مؤتمره الصحافي الليلي من خلال تهديده بأن هذه الحرب اذا انطلقت مع ازاحته ستشمل اربع دول قصد بها تركيا والسعودية والاردن وقطر، تماما على غرار ما هدد رئيس النظام السوري مرارا في حال ازاحته عن الرئاسة السورية بانعكاسات مدمرة على المنطقة.
لم يشأ المالكي الخروج بكرامته مكررا تكرار تجربة صدام حسين والرؤساء الذين لا يعرفون ان يخرجوا من السلطة وكيف ومتى، بعد رفضه من المرجعيات الشيعية وتخلي ايران عنه ومن رفض الدول الكبرى الاعتراف بشرعية استمراره. بل فضل اخذ العراق الى تعميق الحرب الاهلية من اجل البقاء في السلطة بذريعة انه ينتمي الى اكبر كتلة نيابية بحيث تعود اليها رئاسة مجلس الوزراء. حاول استنساخ المنطق الذي ابقى جاره السوري في السلطة على رغم الاهوال التي عاشتها سوريا خلال الاعوام الثلاثة الماضية وغض النظر الدولي عن استمرار هذا الاخير. لكن الفارق بينه وبين الاسد الذي يخوض حربا منذ ما يزيد على ثلاث سنوات دفاعا عن بقاء رئاسته لسوريا ان ثمة تخليا ايرانيا علنيا عنه بعدما كادت ايران تفقد العراق من خلال تعريضه للانقسام والتشرذم في حال ابقت على المالكي، ما دفعها الى حصر الاضرار والحد من خسائرها بالتخلي عن المالكي في حين ان الوضع ليس عند هذه النقطة بعد بالنسبة الى النظام السوري. يضاف الى ذلك ان على ايران تنفيذ الجزء الذي يتعلق بها من التلاقي مع الولايات المتحدة لجهة بدء واشنطن توجيه ضربات جوية عسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية ومنع تمدده الى ابعد من المناطق ذات السيطرة السنية التي اخضعها لها والعمل مع السنة العراقيين من اجل الوقوف في وجه تمدد داعش. اذ حين اشترط الرئيس الاميركي باراك اوباما مواكبة الضربات العسكرية الاميركية بعملية انتقال سياسية في العراق تحت طائل عدم رؤية المزيد من الضربات العسكرية ومن المساهمة الاميركية، فان الكرة كانت باتت في ملعب ايران والقوى الشيعية المتأثرة بها من اجل الضغط بقوة من اجل ازاحة المالكي والانتهاء من عرقلته العملية السياسية. لم تستطع التطورات العراقية انتظار انتهاء التفاوض بين ايران والدول الغربية على الملف النووي الايراني والذي ارجىء في تموز لاربعة اشهر. دهمت التطورات المأسوية العراقية ايران التي كانت ترجىء البحث في اي ملف من ملفات المنطقة قبل حسم ملفها النووي وكانت تصر على ان لا بحث في هذه الملفات جنبا الى جنب مع ملفها النووي. لكن التسارع الدرامي في العراق دفعها الى تجرع كأس التنازل عن المالكي في حين ان هذا التلاقي الاميركي الايراني على النظام السوري وما يتعلق بسوريا لم يحصل بعد وسط تكهنات متضاربة. بعضها يتفاءل بان ما سرى ويسري من تسوية دولية اقليمية في العراق ينطوي على ايجابية لجهة بدء وضع اللبنة الاولى لتسوية في احدى اهم الدول التي تختصر خلافات مذهبية وسياسية محتدمة في المنطقة. وهذا التفاؤل يتضمن توقعات بأن تنسحب قاعدة هذه التسوية مستقبلا على الوضع السوري لجهة اضطرار ايران الى الاقرار بأن هناك حلقة مهمة مفقودة في الحكم في سوريا وهي مشاركة فاعلة للطائفة السنية تحت وطأة استمرار تعرض سوريا للتفكك ايضا فيما تتعرض ايران للاستنزاف. في حين يرى آخرون ان الثمن الذي دفعته ايران في العراق راهنا هو من اجل افتداء بقاء الاسد ومنع تغييره كما حصل مع المالكي وتاليا حصر امتداد الاضرار الايرانية الى ابعد مما حصل في العراق.
وواقع الامر ان متابعين كثيرين يهتمون بمعرفة كيف ستتطور الامور في العراق لاهمية انعكاسات التطورات العراقية على المنطقة من جهة ونظراً لأن لهذه التطورات نتائجها سلبا او ايجابا على ضوء ابعاد المالكي، على خلفية كيف سيكون تأثيرها لاحقا على النظام السوري من جهة اخرى، علما ان هؤلاء لا يتوقعون ان يكون المسار قصيرا في العراق بل على العكس. ففي حال لم يقد المالكي فعلا العراق الى حرب داخلية جديدة على ضوء التحريض الذي يمارسه ونتيجة سيطرته على قوات امنية وميليشيات شيعية، علما ان الدول الكبرى سارعت الى الالتفاف على المالكي من خلال الاقرار بشرعية تسمية حيدر العبادي لرئاسة الحكومة العراقية، فان العملية السياسية التي جرت قد تفتح الباب على محاولة جدية لانقاذ العراق مما يتجه اليه وتعزيز فرصة توافر تحالف دولي اقليمي من اجل هذه العملية. وليس خافيا ان الرهان على توقعات ايجابية في المنطقة بات ينطلق من العراق في الدرجة الاولى باعتبار انه البوابة المحتملة والاساسية ايضا من اجل تخفيف التوتر الاقليمي - الاقليمي على صعيد الصراع السني الشيعي كما على صعيد الصراع السياسي.