الفرح الشعبي الجماعي بعودة الرئيس سعد الحريري، ليس فعل مفاجأة فقط، وإنّما حالة أمل بأن التغيير قادم، وأنّ الانزلاق نحو الفراغ الكامل، قد توقف. يبقى كيفية العمل نحو الخروج منه وكيفية بناء حالة الاستقرار والأمن، التي من أولى ركائزها انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم العمل لتحصين المجتمع اللبناني والتوحّد في مواجهة جيوش الظلام والظلامية والإرهابية، بحيث يكون ما حدث في عرسال ولعرسال نهاية وليس بداية.
الرئيس سعد الحريري، يحمل الأمل معه، لكن عودته ليست حدثاً لبنانياً فقط. التعامل مع هذه العودة وما حملته معها، لا يكون من منظار لبناني فقط. لبنان، «علبة البريد» الدولية والإقليمية، يتفاعل تاريخياً مع «الرسائل» التي تمر عبره سواء سلبياً أو إيجابياً. مسار الحل الذي بدأ من لبنان، ليس مساراً لبنانياً أحادياً. لا بد من قراءة ما يحصل لبنانياً على امتداد الشرق الأوسط. تجميع قطع فسيفساء الشرق الأوسط واحدة بعد أخرى. العنوان الجامع لكل القطع هو التسوية. مجرّد الأخذ بهذا المسار يعني أن لا أحد سينتصر بالضربة القاضية، ولا أحد يملك حق احتكار «ثمار» التسويات والتحكم بالمنطقة.
لا شك أن «داعش»، وهجمات الرعب التي تذكّر بالقرون الأولى للبشرية، والتي كانت القبائل والتجمّعات تقوم بها، حتى يكون صوت أقدامها دعوة للهروب والنجاة من المجازر تماماً كما حدث في العراق خصوصاً للمسيحيين فيه، دفعت أخيراً العالم خصوصاً «الإدارة الأوبامية»، إلى دخول مسار «التدخّل الإيجابي» مقدمّة لفرض التسويات الكبرى.
البداية من أفغانستان. الاتفاق الذي اتفق عليه المرشحان للرئاسة عبدالله عبدالله وأشرف غني بإشراف جون كيري وزير الخارجية الأميركية، إذا ما نفذ يعني إنقاذ أفغانستان من حرب أهلية مدمّرة لا تريدها واشنطن وطهران وموسكو لأنها ستحرق المنطقة من دول آسيا الإسلامية وصولاً إلى باكستان وإيران، وستصب الزيت على نار الحرب المذهبية في دوائر محددة. ويقوم الاتفاق على:
- قبول نتائج الانتخابات.
- إن واحداً من المرشحين سيكون رئيساً للجمهورية، لكن كلاهما ضروري لمستقبل أفغانستان مهما حصل. مما يعني أن أحدهما والأرجح غني سيكون رئيساً للجمهورية وعبدالله رئيساً للوزراء. وفي المحصلة الأساسية إن البلوش لا يلغون ولا يستبعدون الطاجيك والهزارة والعكس صحيح.
في العراق، الحرب على «داعش»، تحولت إلى حرب دولية. أخيراً «الإدارة الأوبامية» قبلت الدخول في الحرب ضدّ الإرهاب مباشرة ولو من الجو، والأرجح اشتعال «حرب الظلال» حيث الاستخبارات الأميركية والفرنسية والبريطانية والأرجح الإيرانية ستقوم كلها بالتعاون الرباعي أو الثنائي في استخدام كل أساليب هذه «الحرب» المعروفة الوسائل والنتائج لتوجيه الضربات القاتلة.
هذا الدخول الأميركي من دون التدخّل البرّي. يتضمن كما حدّده أوباما قيام حكومة وفاقية تضم كل المكونات السياسية والاجتماعية والطائفية. معنى ذلك، شطب نوري المالكي. عنوان المرحلة المقبلة الحرب ضدّ «داعش» وملحقاتها، وشطب الطرف الذي ساهم عن قصد أو غير قصد في تضخم الإرهاب تحت إدارته السيئة السياسية أو المذهبية. باختصار لا «داعش» ولا المالكي.
أما سوريا، التي سيأتي دورها لاحقاً لأنّ الحرب لم تنتهِ فيها، والأطراف ليست جاهزة للحل. لكن ما يطبق على الآخرين سيطبق عليها. النتيجة لا «داعش» ولا الأسد الذي صنع منها «الضفدعة» التي تنقله من ضفة النهر إلى الضفة النهر الأخرى، علماً أنّه من الأساس سيعمل على قتلها ليغرق معها.
أمّا إيران، فإنّها لاعب كبير في المنطقة. لكن يسمح لها بالشراكة المحدودة وليس استبعاد الآخرين خصوصاً واشنطن وموسكو التي بدأت تدرك أنّ لكل شيء حدوداً. بوتين يحق له أن يكون «قيصر» موسكو، لكن ليس «القيصر» الذي يتحكّم بقواعد اللعبة.
دائماً في الشطرنج يوجد «ملكة» لكن «للملك» الكلمة الأخيرة.