يبدو اقرب الى النكتة السمجة ما تم تداوله عن رفض النظام السوري استقبال النازحين السوريين من عرسال لعدم تفاوض الدولة اللبنانية والتنسيق معه في هذا الاطار، على رغم انه حين هجرهم من بلداتهم وقراهم لم يسأل الدولة اللبنانية ولم ينسق معها استقبالهم او رفضهم كأنما هو يفاوض دولة مجاورة على ادخال مواطنين من دولة ثالثة وليس مواطنيه لاعادتهم. وبرز هذا الكلام في اعقاب مطالبات يصر عليها منذ بعض الوقت وزير الخارجية جبران باسيل في شأن التنسيق مع النظام السوري في موضوع اقامة مناطق حدودية او مخيمات للاجئين السوريين ومن ثم العماد ميشال عون الذي خرج الى العلن بنظرية التنسيق مع هذا النظام. ولو لم يرغب في تسميته نظاما وكرت السبحة لتطاول الرئيس نبيه بري في السياق الاخير المتعلق بعرسال. وليس خافيا ان النظام السوري يرغب في توظيف ما حصل في عرسال وازمة اللاجئين السوريين في لبنان من اجل فتح حوار وتشكيل لجان يصار عبرها الى الاعتراف علنا ورسميا باعادة الشرعية اليه والتي يبحث في اعادتها عبر بوابات اقليمية ودولية عدة ومن بينها لبنان. في حين يعرب العارفون عن ثقتهم بأن هم النظام ليس اللاجئين ولا ايجاد حل لهم بل بدء النقاش عبر لجان مشتركة بين البلدين للوصول الى مسائل امنية كان يمارسها منذ زمن وصايته على لبنان وتوفير بوابة مهمة له من اجل فك عزلته.
بعض المتواصلين مع النظام السوري والدائرين في فلكه يقولون ان هذه الخطوات لا بد منها بالنسبة الى لبنان في ظل كلام على اعادة فتح بعض الدول حوارا امنيا استخباراتيا مع اجهزة النظام من اجل معالجة مشكلة هجرة المتطرفين من الدول الاوروبية. وهو حوار يقال ان النظام يشترط من اجل التعاون في شأنه اعادة فتح السفارات الغربية في دمشق. ويعتبر اصحاب هذا الرأي انه يتعين على لبنان الا يعالج مشكلته من خلال فتح حوار مع النظام في الوقت الذي تسعى دول طالبت برحيل النظام الى التحاور معه، حسب ما تقول. ومع ان هذا الموضوع ليس جديدا كليا باعتباره يسوق منذ بعض الوقت، فان ثمة ما يستفيد منه النظام باقرار خصومه كما باقرار مراقبين محايدين انه نجح في شكل باهر في ارساء معادلة هو ام تنظيم داعش والتنظيمات المماثلة، وانشغال ما كان يسمى المجتمع الدولي بالتنظيمات الارهابية وعدم اهتمامها في المرحلة الراهنة برحيل نظام الاسد مثلا او بالعمل على انهاء وجوده. وثمة معلومات يتداولها مطلعون في هذا الشأن تتمحور على جملة عناصر من بينها:
ان مرحلة بيان جنيف واحد ومن ثم جنيف 2 قد طويت على نحو نهائي بحيث لا عودة الى كون البيان الذي وضعه الممثل الاممي كوفي انان ووافقت عليه الدول المؤثرة وفي مقدمها الولايات المتحدة وروسيا وعمل عليه لاحقا الاخضر الابرهيمي لا يزال يشكل مرجعية للبحث في حل للحرب القائمة في سوريا. فهذه مرحلة انتهت وكسب النظام مرحلة طيها بدعم من روسيا وايران.
في الوقت الذي تبدو فيه الامور متروكة في سوريا على وقع تطورات ميدانية لم تعد تثير متابعات اعلامية وسياسية في ظل تطورات اقليمية اخذت الواجهة من جهة، كما حصل في العراق او غزة او حتى ليبيا وفي ظل عمليات كر وفر لا تسجل تغييرات جوهرية على الارض من جهة اخرى، فان ثمة من يتحدث عن افكار لحلول يتم تداولها بعيدا من الاضواء. وهناك نقطتان بارزتان في هذا الاطار. تتحدث إحداهما عن دور لسويسرا على هذا الصعيد واتصالات تتولاها مع الدول المعنية علما ان لا تفاصيل عن مواقع او مواقف الدول الكبرى، كما كل من ايران والمملكة السعودية فيما الحرب السورية غدت اكثر تعقيدا بكثير مما كانت عليه في الاعوام الثلاثة الماضية. والنقطة الاخرى تتصل بافكار للحل لم تعد تنطلق من تنحي النظام بل على قاعدة امكان بقائه بحيث يتم العمل على الشروط والضمانات التي تجعل من بقائه احتمالا تقبل به المعارضة المعتدلة، وما يتطلبه ذلك في المقابل على ان ينطلق الحل من وقف للنار وتأمين ان يكون النظام والمعارضة في موقع واحد في مواجهة التنظيمات الارهابية.
ثمة ما يثار على صعيد امكان ابقاء الاسد والاحتمالات المفتوحة امام ايران والتي يتردد في ضوئها ان العاصمة الايرانية التي تسرب اخبارا عن استعدادها للتخلي عن نوري المالكي في العراق لولاية ثالثة فيما المالكي رفض ولا يزال يرفض الضغوط الايرانية المباشرة او غير المباشرة عبر ضغوط المراجع الشيعية المؤثرة قد تحصل على امكان ابقاء الاسد في موقعه لقاء التخلي عن المالكي واستبداله بمماثل له من كتلته. الامر الذي يمكنها من بيع تنازلها عن التمسك بالمالكي في العراق للدول الاقليمية كما للولايات المتحدة المطالبة بعدم اعطائه الفرصة لتولي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة باعتباره مسؤولا عن مواجهة العراق احتمال التقسيم لقاء الاقرار ببقاء الاسد في منصبه بعض الوقت وحتى اشعار آخر.
خلال الاسبوع المنصرم استبعد المستشاران البارزان في البيت الابيض جاك سوليفان وبن رودز احتمال العمل مع الاسد من اجل مواجهة التحديات الارهابية. ورفضا اقتراحات كانت سرت من بعض الباحثين ان واشنطن قد تعيد النظر في امكان التعاون مع النظام السوري، وذلك خلال اجتماع مغلق مع المعارضة السورية والمنشق السوري الذي كشف آلاف صور التعذيب الذي مارسه النظام ضد شعبه.