حجم القلق عند اللبنانيين تضاعف بشكل كبير جدا بعد ان تلمسوا الخطر وبالدم هذه المرة وكان من الواضح أنّ كلا الفريقين ليسا بمستوى الوعي المطلوب الذي يمكن الاتكاء عليه من اجل خلق حد ادنى من الحصانة المطلوبة داخليا، لرد ما هو قادم في ظل منطقة ملتهبة. وما نحن عليه من استقرار ولو كان مشوها ما هو الا نتاج قرار خارجي فقط ” وما حدا الو جميلة ” من الداخل ولا احد يعلم متى تحين لحظة التخلي وترك البلد لحاله.
جديرة هي الاحداث العرسالية وما رافقها وما سبقها بالوقوف عندها مطولا من اجل استشراف ما ينتظرنا، لان أهمية وخطورة الذي الحصل لا يستمد فقط من حجم المأساة وعدد الضحايا إن في صفوف الجيش اللبناني أو عند المواطنيين المدنيين، ولو أنّ هذه الخسائر او ما هو أقل منها بكثير كانت لتكون كفيلة وحدها في أي من بلدان العالم ليتشكّل على ضوئها لجان تحقيق قضائية تُسقط حكومات وقادة عسكريين وامنيين.
وليست العبرة هنا بالصدمة او المفاجأة من تحول عرسال وجرودها الى بوابة مشّرعة امام الفتنة السورية وسهولة الدخول الى العمق اللبناني من خلالها، فهذا واقع معلوم ومتوقع عند الجميع، وليس المؤسف المخزي أيضا هو ما كشفته الاحداث العراسلية من امراض واهتراء في جوف الجسم اللبناني، والحديث هنا ليس عن اصل وجود ما يعتري هذا المجتمع من مرض وانما عن حجمه ومستوى تفشيه خصوصا على مستوى الساحة الإسلامية وكمية الاحتقان المذهبي الذي وصلنا اليه، وإنما المؤسف الى حد الفضيحة الصارخة هو وجود اطراف لا تمانع بل وتسعى الى تأججيج نار الفتنة والرقص فوق جراحها فقط للاستفادة الإعلامية وخدمة حملتها الدعائية وتثبيت صحة خياراتها
وهذا الواقع الأليم لا يختصر على طرف واحد من طرفي الصراع، بل يشمل الطرفين 8 و 14 ففيما كان حزب الله وفريقه مشغول بالترويج للخطر التكفيري القادم على لبنان وأن عرسال وأهلها ما هم الا بداية المشوار الأسود لقوى الظلام التكفيري وبالتالي فإن قتاله بسوريا هو الحل، مع محاولة إضفاء لون وطني على معركته هذه المرة ولو كان الصباغ مصنوعا من دماء جنود وضباط الجيش اللبناني، لذا كان الانطباع العام عند اللبنانيين بان هذا الفريق ليس فقط مستفيدا من هذه المآساة بل بدا وكأنه يعمل على إطالة امد الازمة من اجل استغلالها الى حدها الأقصى مما جعله يظهر بمظهر الممتعض من سرعة المبادرة التي قام بها هيئة العلماء المسلمين مشكورة وافضت الى تطويق وانهاء المشكلة. وما حكي عن ضغوط كبيرة مورست على قيادة الجيش تهدف الى منعه من قبول أي تسوية او حتى مجرد التفاوض تحت شعار عدم المساومة مع الإرهابيين، ما يعني مزيدا من توريط الجيش واتساع رقعة الازمة جغرافيا، فقط لجعل هذا الجيش رديفا له ومساعدا في حربه التي قرر وحده خوضها وصار الاستزاف المميت هو السمة التي يخشاها،
والحال نفسه وإن كان باقل مستوى هو ما تلمسناه عند فريق 14 اذار، حيث أولويات هذا الفريق لم تكن اكثر من تحميل حزب الله مسؤولية الاحداث عبر العزف على الوتر نفسه الذي يقول إن مشاركة الحزب بالقتال في سوريا هو علة العلل لكل ما يجري، ومحاولة توظيف الدم العرسالي في خدمة التصويب السياسي على الخصم دون الاخذ بعين الاعتبار مؤدى هذا الدور في هذه اللحظة الخطيرة،
في المحصلة فإنّ حجم القلق عند اللبنانيين تضاعف بشكل كبير جدا بعد ان تلمسوا وبالدم هذه المرة وكان من الواضح أنّ كلا الفريقين ليسا بمستوى الوعي المطلوب الذي يمكن الاتكاء عليه من اجل خلق حد ادنى من الحصانة المطلوبة داخليا، لرد ما هو قادم في ظل منطقة ملتهبة. وأنّ ما نحن عليه من استقرار ولو كان مشوها ما هو الا نتاج قرار خارجي فقط ” وما حدا الو جميلة ” من الداخل ولا احد يعلم متى تحين لحظة التخلي وترك البلد لحاله.
مما يعني ان انتهاء ازمة عرسال كما انتهت اليها، ليست الا البداية وان “الحكاية ما خلصت” .