كشفت المطالبات بالمسارعة الى تسليح الجيش اللبناني من اجل دعمه في المواجهات ضد المسلحين السوريين في عرسال وجود مشكلة يبدو انها تتفاعل في الكواليس من دون ان تظهر بتفاصيلها الى العلن. وازاء كشف مصادر ديبلوماسية لهذه المسألة قبل بعض الوقت وقبيل انعقاد مؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني رفضت مصادر قيادة الجيش والضباط المولجين متابعة ملف الاسلحة مع فرنسا وفي أثناء تنقلهم بين باريس من جهة وواشنطن من جهة اخرى التحدث علنا في الموضوع. لكن التحدي الجديد الذي واجهه الجيش اعاد موضوع الهبة السعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار الى الواجهة على خلفية التساؤل لماذا لم يبدأ بعد وضعها موضع التنفيذ حتى الآن، وما هي العقبات امامها ومن هو المسؤول عن ذلك. واحال السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري سائليه بالامس عن الهبة السعودية السابقة الى ان المطلوب من البائع والمشتري ان ينهوا الموضوع.

وليس خافيا ان الصعوبات التي اعترضت تسليح الجيش حتى الآن حفزت تكهنات كثيرة يقول اصحابها من السياسيين انها معلومات يتم تداولها ولم يتم التاكد منها من قيادة الجيش لرفض الضباط المعنيين الكلام في شأنها بذريعة حتمية العودة الى قائد الجيش ولكن من دون اعطاء جواب. من بين هذه التكهنات ان ثمة سببا سياسيا لدى الفرنسيين يتصل بعدم وجود رئيس للجمهورية فيما المطلوب انتخاب رئيس يكون هو حكما رأس السلطة. فيما يقول البعض ان الامور معقدة على المستوى التقني وليس السياسي الى درجة عدم اخفاء سياسيين تمنياتهم لو ان المملكة السعودية حررت او تحرر هذه الهبة للجيش اللبناني من ان تعود قيمتها المادية الى فرنسا. وينطلق ذلك من الاعتقاد ان المملكة السعودية حين قدمت الهبة للجيش اللبناني على ان تقدم فرنسا وليس أي دولة أخرى ما يحتاج اليه الجيش اللبناني انما قامت بذلك في عز تصاعد خلافها مع الولايات المتحدة على خلفية حوارها السري مع ايران. فيما التمنيات بتحرير الهبة من شأنه ان تعود فائدتها المادية عندئذ الى مجموعة دول يمكن ان يثيروا منافسة في ما بينهم على تقديم الافضل للبنان وان يكون ثمة هامش امام هذا الاخير للاختيار بدلا من ان يكون اسير الضوابط التي تضعها فرنسا على نوعية الاسلحة وماهيتها. وهذه النقطة الاخيرة على ذمة اصحاب هذه المعلومات هي احد اسباب العرقلة في البدء بتسليح الجيش اللبناني حتى الآن في حين ان نقاطا اخرى لا تقل اهمية وتتصل بالجانب اللبناني في هذه الصفقة.
فالنسبة الى هذا العامل الاخير يثار كلام عن تأسيس شركة استشارية تتولى هي تحديد حاجات الجيش ورفع تقريرها في هذا الاطار الى المسؤولين الفرنسيين، في حين ان الكلام المعلن هو عن وجود خطة مفصلة كانت رفعتها قيادة الجيش اللبناني الى الحكومة اللبنانية وهي التي تم اعتمادها. والكلام على لجنة استشارية وسيطة هو موضوع تداول في الاوساط السياسية انطلاقا من انه في الاحوال العادية تتولى لجنة الشراء في الجيش اللبناني هذا الامر. وثمة كلام ايضا في هذا السياق عن صلة لشركات في الخارج على صلة بمسؤولين لبنانيين كبار يمكن ان ترشح للاستفادة من اعطاء الجيش اللبناني نوعا معينا من الاسلحة.
وكان سرى في أوساط ديبلوماسية منذ اشهر معلومات تفيد بان فرنسا ترفض طلبات للجيش اللبناني بانواع محددة من حاجاته الى الاسلحة او الى مروحيات والصواريخ التي تحملها وهي تقترح عليه اسلحة اخرى متوافرة لديها ولا يراها الجيش اللبناني متناسبة مع متطلباته، فيما تعيد رفضها لطلبات اخرى اما لكلفتها العالية كما يتردد او لعجزها عن تلبيتها نتيجة اعتراض اسرائيل على أنواع صواريخ من الصواريخ الذكية الموجهة. ويوفر اصحاب هذه المعطيات او المعلومات لائحة بنوعية الأسلحة أو المعدات البحرية وغير البحرية ومكامن الاخذ والرد بين الجانبين اللبناني والفرنسي في هذا الاطار. وينسب في بعض الاوساط الى المسؤولين الفرنسيين قولهم ان 80 في المئة من الاسلحة المطلوبة يمكن فرنسا تأمينها فيما يتعين على لبنان تأمين 20 في المئة المتبقية من دولة اخرى في حين تقول اوساط اخرى ان واشنطن دخلت على الخط من اجل ان يكون لها حصة من هبة تسليح الجيش من خلال استعدادها لتوفير اسلحة او معدات له.
وفيما ان لا مصلحة ولا افادة لاحد بايراد هذه التفاصيل فان لب الموضوع يختصر في ان ما حصل في عرسال كشف وجود مشكلة حقيقية وسلطت الضوء على عدم تلبية طلبات الجيش بتسليحه حتى الآن مما احرج الدول المعنية بالهبة السعودية جنبا الى جنب مع الاحراج الذي واجهته الحكومة اللبنانية اولا. كما ان الجدل حول دعم الجيش بالافعال وليس بالاقوال وموضوع الهبة السعودية الجديدة لفت الانتباه الى ملف كان يشعر كثر بانه قيد التحضير او كان يتم التذرع بانه كذلك على قاعدة ان خطة تسليح الجيش تمتد على خمس سنوات. فبات الاهتمام ينصب او يسلط على ماهية العقبات ويثير تكهنات او تفسيرات قد تكون صحيحة كليا او جزئيا او لا تكون لكنها ليست في مصلحة اي من الاطراف المعنية.