المواقف الأخيرة التي أطلقها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بعد لقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أثارت الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، وحتى لدى بعض كوادر وعناصر الحزب التقدمي وأبناء الجبل.
فجنبلاط الذي كان قد وجَّه الكثير من الانتقادات لمشاركة حزب الله في القتال في سوريا ودعا الحزب لمغادرة سوريا وعدم الوقوف الى جانب النظام السوري، بدا أ خيراً متفهماً لما يقوم به الحزب ورافضاً لتحميل دور الحزب في سوريا مسؤولية الأحداث التي شهدتها مدينة عرسال والمناطق المحيطة بها من هجوم كبير لمسلحي التنظيمات الإسلامية في سوريا ضد الجيش اللبناني والقوى الأمنية واحتلالهم لعرسال.
كذلك فإن جنبلاط ركَّز في مواقفه الأخيرة على خطورة التطرف الإسلامي وما يقوم به تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وعلى الحدود اللبنانية من ممارسات خطيرة.
وبموازاة هذه المواقف دعا جنبلاط القوى السياسية اللبنانية، وخصوصاً الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله للتعاون والحوار لمواجهة المتغيرات والوصول الى حلول عملية للأزمات السياسية والأمنية التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة.
فما هي الأسباب التي دفعت جنبلاط الى تغيير مواقفه والتواصل مع قيادة حزب الله واللقاء مع السيد حسن نصر الله؟ وهل سينجح الحراك الجنبلاطي في تحقيق تقدم عملي لمعالجة الأزمة السياسية التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة؟
أسباب تغير المواقف
بداية ما هي الأسباب والدوافع التي تقف وراء تغير مواقف الأستاذ وليد جنبلاط وعودته للتواصل المباشر مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله؟
تقول مصادر مطلعة في الحزب التقدمي الاشتراكي ومقربة من الأستاذ جنبلاط «إن جنبلاط لم يغير مواقفه مما يجري من أحداث وتطورات، ولكنه بدأ ينظر بشكل جديد إلى التطورات الإقليمية التي تجري في المنطقة، وخصوصاً الأوضاع في العراق وسوريا وما يقوم به تنظيم «داعش» بعد إعلان «الخلافة الإسلامية» والمخاطر الكبرى على أوضاع المنطقة وعلى المسلمين والمسيحيين، إضافة إلى التطورات التي حصلت في غزة من عدوان إسرائيلي وحشي وصمود قوى المقاومة».
تضيف المصادر أن جنبلاط بدأ يشعر بالخوف الشديد على كل مستقبل المنطقة في ظل انتشار قوى التطرف التي لن تبقي أحداً في المنطقة، وخصوصاً الأقليات من مسيحيين وموحدين دروز الذين بدأوا «ينقرضون» حسب تعبيرات جنبلاط، وإزاء ذلك لا بدّ من التحرك السريع والعمل للملمة الأوضاع والبحث عن خيارات سياسية جديدة لمعالجة الأزمات القائمة في لبنان والمنطقة.
وتتابع المصادر: «ونظراً إلى الأزمة السياسية التي يعاني منها لبنان بسبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية وللمخاطر الأمنية ولا سيما ان «داعش» أصبحت على الأبواب وفي ظل ما يجري في قطاع غزة من عدوان وحشي، شعر جنبلاط بالحاجة للقاء مع السيد نصر الله والتواصل مع بقية القيادات السياسية والحزبية للبحث عن حلول للأزمات القائمة والسعي لفتح حوارات مباشرة معها لأن القطيعة لن تؤدي الى أية نتيجة».
هل سينجح «الحراك الجنبلاطي»
لكن هل سينجح الحراك الجنبلاطي في الوصول الى حلول للأزمة السياسية القائمة واعادة فتح أبواب الحوار بين الجميع؟ أم ان المهمة صعبة وتتطلب جهوداً كبيرة ولا سيما بعد أحداث عرسال؟
تجيب المصادر المطلعة في الحزب التقدمي الاشتراكي: «للأسف حتى الآن لم يستطع الأستاذ وليد جنبلاط تحقيق أي تقدم على صعيد الأزمة السياسية الحالية، لأن كل طرف لا يزال يتمسك بمواقفه، لكن ما يجري في عرسال من أحداث خطيرة قد يشكل «صدمة إيجابية» للجميع من أجل إعادة دراسة الأوضاع والبحث عن حلول للأزمة وتقديم تنازلات حقيقية للوصول الى تسويات عملية إن لجهة معركة الانتخابات الرئاسية أو معالجة بقية الملفات العالقة سواء الانتخابات النيابية أو الملفات المعيشية».
وتتابع المصادر: «إن الأوضاع في لبنان والمنطقة خطيرة وكل الاحتمالات واردة ولذلك يجب على الجميع ان يدركوا خطورة ما يجري وان يبحثوا عن حلول جدية للأزمة الحالية وعدم البقاء في المربع القديم، وإذا لم نحافظ على لبنان ومؤسساته المختلفة فإن الخطر قادم على الجميع».
ما تقوله مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي دقيق ورغم ان التغيير في مواقف جنبلاط قد أثارت الكثير من الانتقادات وردود الفعل السلبية لدى بعض الأوساط السياسية، وخصوصاً لدى بعض قوى 14 آذار وحتى لدى بعض الأوساط الدرزية، فإن القريبين من جنبلاط، والذين يتواصلون معه من إعلاميين وسياسيين يؤكدون «ان الرجل يشعر بخطورة ما يجري وأنه لا يبحث حالياً عن مكاسب ذاتية، بل يعمل لحماية البلد والمنطقة وكذلك حماية التنوع الديني والطائفي من المخاطر الكبيرة التي قد يتعرض لها الجميع».
انطلاقاً من هذه المعطيات، فإن المطلوب من جميع القوى السياسية والحزبية ملاقاة جنبلاط في منتصف الطريق والبحث عن حلول جدية للأزمات القائمة ومن أجل تحصين لبنان من المخاطر القادمة على كل المنطقة والتي أدت إلى إطاحة الحدود والجغرافيا، وخصوصاً انتشار التطرف الديني الذي سيصيب الجميع مسلمين ومسيحيين.
قاسم قصير
--
مجلة الأمان