لا تزال ماثلة في الأذهان تلك الصورة التاريخية قبل نحو ثلاثين عاما في البيت الأبيض والتي ضمت الرئيس الاميركي رونالد ريغان وقادة "طالبان" عندما كان هؤلاء يقاتلون السوفيات في أفغانستان لمصلحة الادارة الاميركية التي كانت تمدهم بالسلاح وبالمال. ومما قاله ريغان للوفد الزائر خلال اللقاء: "الاسلام في خطر وأنتم حماته في مواجهة المد الشيوعي". لكن ما كان واضحا جدا، ان همّ الرئيس الاميركي لم يكن حماية الاسلام ومنع تشويه صورته، بل قتال الوجود العسكري السوفياتي في أفغانستان... إذاً لهذه الادارة، ومن خلال جهاز استخباراتها الاشهر الـ"C.I.A" "سوابق" في مضمار تأسيس مجموعات مسلحة تحت مسميات وعناوين اسلامية لاستعمالها عند الحاجة و"غب الطلب"!
ومن "طالبان" مرورا بـ"فتح الاسلام" وبـ"النصرة" وصولا الى "داعش" اختبر اللبنانيون جيدا أعمال أجهزة الاستخبارات على تنوعها وتناقضاتها في الشكل، وإن تكن في المضمون تصب في مكان واحد هو خدمة مشاريع تلك الاجهزة الاستخباراتية والانظمة التي تقف وراءها. وتجربة ما سمي قبل سنوات "فتح الاسلام" بعد تغيير اسمها من عنوان "مقاوم ومناضل وطني" الى هذا الاسم، بدورها، لا تزال ماثلة في الاذهان، ومن أرسلها، عاد واسترد قائدها المدعو شاكر العبسي بسحر ساحر بعدما أنجز مهمته "القومية" في الاعتداء على الجيش اللبناني وتدمير مخيم نهر البارد الفلسطيني، المهمة التي تخدم مخططات من أرسل تلك المجموعات، والأهم أنها تقاتل العالم كله باستثناء العدو الصهيوني الغاشم!
ومن المفارقات الغريبة وغرائب الصدف، ظهور "داعش" فجأة في جرود عرسال واجتياحها البلدة التي تؤوي عشرات آلاف النازحين السوريين، في الوقت نفسه الذي يمعن الجيش الاسرائيلي قتلا بالشعب الفلسطيني رجالا ونساء وشيوخا، ويمعن تدميرا منظما في قطاع غزة.
وأمس ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بكلام خطير لوزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون، تعترف فيه بأن الادارة الاميركية هي من أسس ما سمي "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام - داعش" بهدف تقسيم الدول العربية ومنطقة الشرق الاوسط عموما، وذلك في كتابها الذي صدر قبل مدة قصيرة تحت عنوان "خيارات صعبة" ويتضمن مذكراتها، ومما جاء فيه: "دخلنا الحرب العراقية والليبية والسورية وكان كل شيء على ما يرام وجيد جدا، وفجأة قامت ثورة 30/6 و7/3 في مصر وتغير كل شيء خلال 72 ساعة". وتضيف: "تم الاتفاق على اعلان الدولة الاسلامية يوم 2013/7/5 وكنا ننتظر الاعلان لكي نعترف بتلك الدولة نحن وأوروبا فورا، كنت قد زرت 112 دولة في العالم وتم الاتفاق مع بعض الاصدقاء على الاعتراف بتلك الدولة فور اعلانها، ولكن، فجأة تحطم كل شيء دون سابق انذار، شيء مهول حدث، فكرنا في استخدام القوة ولكن مصر ليست سوريا او ليبيا، وجيش مصر قوي للغاية وشعب مصر لن يترك جيشه وحيدا أبدا".
وتتابع كلينتون: "مصر هي قلب العالم العربي والاسلامي، ومن خلال سيطرتنا عليها من طريق ما يسمى الدولة الاسلامية وتقسيمها، يتم بعد ذلك التوجه الى دول الخليج بدءا بالكويت فالسعودية فالامارات والبحرين وعمان، وبعد ذلك يعاد تقسيم المنطقة العربية بالكامل بما فيها سائر الدول العربية" ودول المغرب العربي، وتصبح السيطرة لنا كاملة خصوصا على منابع النفط والمنافذ البحرية".
وليس بعيدا مما أوردته وزيرة الخارجية الاميركية السابقة، وفي شريط فيديو يعود تاريخه الى عام 2006، يعلن رئيس وكالة الاستخبارات الاميركية السابق جيمس ولسي "اننا سنضع لهم اسلاما يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات بشكل يتم انقسامهم على بعضهم من خلال تحريك النعرات التعصبية (الطائفية والمذهبية) ومن بعدها قادمون للزحف وسننتصر"!
ويكشف الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الاميركية "C.I.A" ادوار سنودن ان الوكالة وجهاز الاستخبارات الاسرائيلية الـ"موساد" هما اللذان شكلا ما سمي "داعش" ويشير الى تعاون في مكان ما، في الاطار نفسه مع الاستخبارات البريطانية، وهو ما نقلته "وكالة الانباء الايرانية - فارس".
وفي موقع آخر، يكشف جهاز الاستخبارات الايرانية عما سماه "الهوية الحقيقية والكاملة لأمير "داعش" الملقب بـ"أبو بكر البغدادي" ويقول إن اسمه الحقيقي شمعون ايلوت ويعمل لدى الـ"موساد" باسم مزيف هو ابرهيم بن عواد بن ابرهيم البدوي الرضوي الحسيني" والخطة المعدة له "اختراق التحصينات العسكرية والامنية التي تشكل تهديدا لأمن اسرائيل، وتدمير هذه التحصينات تمهيدا لاجتياحها لاحقا بغية التوسع وتأسيس اسرائيل الكبرى".
وهكذا، يخترعون المجموعات المسلحة تحت تسميات اسلامية، ثم يحملون وزرها للمسلمين. فهل من ينفي أو يؤكد ما أوردته وزيرة الخارجية الاميركية والرئيس السابق لـ"C.I.A" وجهاز الاستخبارات الايرانية؟
بعض السذّج او من أعمى التعصب قلوبهم، يخترقون الموقف اللبناني الموحد في الوقوف صفا واحدا مع الجيش، بخلفيتهم الطائفية المذهبية، عندما يحملون وزر "داعش" حصرا لجهاز في هذه الدولة العربية او تلك الاقليمية!