الأخوة في “حزب الله”، حفظكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله
سلاماً ايها الأخوة .. أو سلام؟ لا أدري! لستم جهلة حتى نقول لكم سلاماً .. ولكن تجهلون، اي تتعمّدون الجهل بمسلّمات في أنظمة العلائق الاجتماعية، والتي لا تقوم على معادلة الإذعان، الإتباع، اللحاق، الإمعية، أو القطيعة .. وتعتمد في تبادلها المعرفي والسياسي، وحتى العقدي، فضلاً عن القانوني أو الفقهي، على سلة من الاحتمالات، أدناها وليس أعلاها، التمسك بالرأي والإقامة على القناعة، وحسن الظن بالرأي الآخر أو المسلك الآخر أو الاجتهاد أو المجتهد الآخر، لا اعتبار الإختلاف أو الاعتراف سقوطاً أو جريرة، تقتضي الفتك بالمعترض ومَن حوله من بنين وبنات وأهل ورهط وتراث من كدح وفكر وأدب وتضحيات، ترتقي مع إيران مثلاً الى أوائل السبعينات، يوم كان كبار محترفون، من قياداتكم، يأنفون سماع اسم روح الله الخميني وينفرون منه، ويتهمه بعض وجهائكم بتهم فاجرة، وتهمسون: ماذا يريد هؤلاء؟ يريدون إسقاط الدولة الشيعية الوحيدة في الدنيا!! ليأتي بعدها رجال الدين ويفشلوا في الحكم، ويخلفهم الشيوعيون والملحدون!! حصل ما حصل (وكان ما بعد الفتح مغرياً) .. واختلف الناس الى طهران .. وكان خيار المسلمين في الاسلام خيارهم في الجاهلية، كما في مأثورنا النبوي.
سلام عليكم أيها الأخوة، جملة اسمية تفيد الثبوت والثبات، وليست فعلية، على جمال تجدد الحدوث، حتى نقول لكم أنه ما من لحظة مرّت علينا من دون محبتكم والدعاء لكم بالنصر على أنفسكم، أنفسنا، وأعدائكم، أعدائنا، وإن اختلفنا على كثير منهم كما نختلف على كثير من الاصدقاء، وإن كنا نعلم كما هو ظاهر الأمور وواقعها في حدود معرفتنا الناقصة، أن محبتنا لكم وافرة، ومحبتكم لنا نادرة وهشة، بحيث تتحول وبسرعة الى كراهة، لأدنى سبب ومن دون سبب، أو بسبب وراثي في الذي يكره؟ وجد لها غطاء ومغذياً ملفقاً من الدين والمذهب والمقاومة والحزب وغيره .. وقد علّمتْنا خبرتنا ان أكثر الانشقاقات في تاريخ الأحزاب السياسية، الدينية والعلمانية، والبين بين، ذات أسباب شخصية أصبحت سياسية، وعليه فحسّادكم ومحسودوكم منكم وفيكم، أما أنا، نحن، فلو أردنا بكم شراً، لبقينا أقرب اليكم أو دخلنا مداخلكم وعملنا لأنفسنا أو للشيطان تحت عباءاتكم، ولكن المسافة الموضوعية، القابلة دائماً للتطويل والتقصير، هي الدليل على أننا لا ننوي بكم شراً. وكيف نكون من أهل النية في الشر، ونحن نجاهر برأينا فيكم ، في السلب والإيجاب، ونتراجع عن ظلمنا لكم علناً إن ظلمناكم، من دون إصرار على المعاملة بالمثل، لأننا .. هنا لا نستطيع ولا أحد ولا شيء يساعدنا على حسن الظن .. وقد يحدث نادراً أن نسمع همسة من هنا أو هناك عن اعترافكم من دون ندم، على ظلمِ هذا أو ذاك .. لكم أولوياتكم، ومَن كان مثلنا غير مشغول بما أنتم مشغولون به جميعاً، وسحابة ليلكم ونهاركم، من قضايا مصيرية (والله هي مصيرية) .. مَن كان كذلك فإنه يعتني بهذه التفاصيل الثانوية .. كأنكم لا تقرون بسبب تعاظُم حجمكم ودوركم الذي كلّما تعاظم اصبح أولى وأحوج الى التدقيق والتعهد بالنقد والتصويب .. لا تقرون بأن القضايا الكبرى أو في المحصلة هي مجموع مصائرنا ومصائركم. تريدون أن تذهبوا الى الجنة وحدكم! فهل تصلون؟ أشك ..
أيها الأخوة، الذين كانوا أحبة، وما زالوا قادرين أن يكونوا أحبة، سواء أحبوا أم كرهوا مَن يحبونهم، أو أحبوا مَن يكرههم ويشهد الله على ما في قلبه من محبة، وهو ألد الخصوم .. إن ما بيننا، أنا وأمثالي، الذين يعادلون ما لا يزيد ولا يقل عن عشرين بالمئة من الشيعة في لبنان، ويشبهون ما لا يقلّ عن خمسين بالمئة من شيعة إيران .. أما الثمانون في المئة من شيعة لبنان، فإن تسعين بالمئة منهم، في عصبيتهم لكم وضدّ مّن يختلف معكم أو عنكم، ولو سكت، أو جاهر أو تخلى لكم عن جامع الضيعة وحسينيتها والصلاة على جنائزها وأعراسها وإمامتها والنزهة في حقولها والسهر على ضوء قمرها وغناء جناديها، وكفاراتها وزكاة فطرها وقمحها وغنمها وماعزها .. والخمس الذي يؤخذ بالاستفضال من أموال فقرائها وأيتامها وأراملها بالاستخداء والاستجداء من آكلي السحت والحرام ممن يكرمون ويتكارمون عليكم وعلى فقرائكم في عاشوراء بالهريسة، وفي شهر رمضان بالأرز من كيسهم!!
إن ما بيننا، أنا وأمثالي، من أهل النقد لا النكد، وأهل العطاء لا اللفّ، على تفاوت، وبينكم من مشتركات من كل الأنواع والأصناف والمستويات والمكونات والمكتسبات، يكفي لكي نسالمكم ونرفع أذانا عنكم، إن كان في أيدينا أن نؤذي .. وإن كان بعضكم وأحياناً كثيرون منكم، لا يكفيهم ما بيننا من مشتركات، لمسالمتنا فيحاولون قتلنا، وليس بالضروري قتْلنا المادي، إذا ما تيسر القتل المعنوي، أو تشويه المعنى، وهو ميسور لكم بفضل فائض القوة في العلم والفقه والمال والسلاح والأنصار والزبائن والمنابر ومكبرات الصوت والقبضات الحديدية والعيون الخرزية التي تجمد العلم في شرايين العالم وتجمد الأخلاق في وجوه الأوادم.
ومن هنا ما يحفل به غيابنا من حضور لديكم في الغيبة، أي ذكر عيوب مسلّم بها ولكن الذي في بعضكم من مثلها أضعاف. (وعين الرضا عن كل عيب كليلة) .. أو عيوب غير موجودة ، مختلقة، وهذا في الفقه الذي قرأتموه، يدعى البهتان، وهو أعظم وأفك رقبة من الغيبة، إن كنتم قد نسيتم فقه الأخلاق والعلائق .. هذا أكل للحم الحي الذي لا يقبل التذكية، أي لا يصبح حلالاً أبداً .. وهو أكره من أكل لحم إخوتكم أمواتاً، كما نبهكم قرآن الله العظيم أو العلي مع إضافة العظيم (حتى لا تنقص النكهة الإيرانية التي تشبه نكهة الزعفران مرة والتومان مرة أخرى) .. وإذا كنتم تبهتون الناس وتسومونهم الخسف وتبخسونهم اشياءهم الحميمة والجميلة، فإنكم تبدون وكأنكم في مأمن من غضب الله!! فتبهتون الناس في حضورهم، وكأنهم بعوض والعياذ بالله .. ولسان حالكم يقول: وإن لم يكونوا بعوضاً، فليردوا غائلة الألسنة المبلولة بالسم الزعاف!! وهيهات .. هيهات .. ما نحن بمادي أيدينا إليكم لنقتلكم، وستبقى حياتكم المادية والمعنوية موضع حرصنا .. وقد جربتمونا في هذه المسألة أكثر من مرة، وإن كان يصعب عليكم في أوقات الخلاف أن تعترفوا .. ولكنكم اعترفتم أكثر من مرة، وفي لحظة رضا عابرة، لم نحرص على شكلها بل على مضمونها، ولذلك سرعان ما انقلب الرضا الى غضب، لأن التوافق معكم لم يأتِ من إملائكم، بل من قناعاتنا وأفعالنا.
إن بعض أصحابنا من أصحابكم .. يستخدمون السنان، الرماح، والأسنان معاً، كزاً وعضاً ونهشاً، وهو يعلم أن بني عمه (فيهم رماح) ولكنهم عقلاء وأتقياء ورحماء بينهم .. أعزة على أعدائهم، كما وصف القرآن المؤمنين، لا يدعون رماحهم ملعباً لرياح الكراهة وقلة الوفاء ونفاد الصبر على الاختلاف الجميل والاعتراض الشفيق والشفيف..
إني أسترعي انتباهكم، الى انه قد يعز من تعزونه، ولكنهم يبقون معلقين على رغباتكم وأحياناً على مزاجكم وربما على شهوات بعضكم، كما قد يذل من تذلونه، ويبقى ذليلاً، إلا إذا يسر الله له مخرجاً وفرجاً، يذل إذا علق أحلامه أو مطامعه أو مطامحه في الدنيا (الآخرة أمر آخر غير قابل للتعليق حتى لو علقه بعضنا على شماعة بيته أو حزبه أو جماعته)، أما مَن هو مستقل وحر وكادح، لا يزهد إلا بالحرام والشبهة، ويعتز بالحلال، ماديات ومعنويات، على مقدار من كفاءة وهمة وذاكرة وطموحات معقولة ومقبولة وممكنة، فإنه يعز بقدر ما يسعى وينجح ويصبر .. وقد تؤدي نواياكم وأفعالكم الى غير المرجو منكم، فيعز الشخص بمقدار ما تبذلون من جهد لإذلاله. ويعم، ينتشر، بقدر ما تنوون وتحاولون حصاره وتقليصه وعزله .. وتبقون أحوج اليه في أوقات عسرتكم منه إليكم في أوقات عسرته. ولولا أن سلامة أبدانكم وأرواحكم وأهلكم ومتاعكم، وكرامة أهل التضحية من بينكم .. ونحن نعرفهم عرفناهم وعرفونا في المحن، عرفنا منهم وعرفوا منا ما يسعد ويشرف، ويبقى نافعاً في الأرض يهزأ بالزبد الذي يذهب جفاء .. لولا أن سلامتكم واجبه الديني والمذهبي والوطني والعربي والإنساني والذاتي والشخصي، لما كان مستعداً ليتجشم المتاعب والمخاطر واحتمالات سوء الفهم والتقدير من أهل الهشاشة منكم .. وفي لحظات قوة ومروءة ومسؤولية لديه .. ويقطع مسافات القطيعة اذا كانت هناك ضرورة لتوفير نقطة دم أو نقطة كرامة أو حجر من أحجار بيت من بيوت ذويكم وأرحامكم، ارحامنا في قرية ناعسة، تستذكر ماضيها الأليف العذب، الذي يناديكم ويرجوكم، أن لا تغرقوا في الحرفة السياسية، وتنسوا مكونات جماعتكم الثقافية والروحية وذاكرة الحياة لديهم.
إن الأليق والأجدى لكم، أن لا تندهشوا أو تفاجأوا، باستمرار نهر الحياة، وتبدّل النظرات والنازلات، وأنتم معلمون في الصبر والانضباط، فلا تتجاهروا بالشتيمة لأي فعل أو فاعل لا يروقكم فعله السياسي أو موقفه الذي تفعلونه، سابقاً ولاحقاً، وتنظرون له فقهياً ببساطة الحاكم لا العالم .. وتشكون أو نشكو من حَوَلكم، لا تفاجأوا بما يقوم به المهمومون بلبنان الجميع .. وفلسطين والعرب والمسلمين والشيعة في العالم العربي وغيره، الذين قرروا أن لا يغلقوا أبوابهم على أحد، ولا يروا أبواباً مغلقة ابداً .. وأعلنوا أن لا قطيعة تامة أو دائمة مع أحد، مهما تكن أخطاؤه في الماضي، إذا ما فتح بابه أو شباكه للحوار، إلا اسرائيل لأن أمرها هو شأن الشعب الفلسطيني وقيادته.
هذا وأنتم تعلمون أنه ليس بمستطاعكم، إقفال كل أبوابكم ن أو دائماً، في السلم والحرب، تتكلسون إذن، ومرة أقفلتموها بالدم شراكة مع اشباهكم نشأة ودماً ولون عيون ولهجات ريفية وهريسة عاشوراء .. وجرى دم كثير، وهدمت منازل كان يعبد فيها الله ويقرأ فيها العزاء الحسيني. وتذكرون أن الحسينيات في مواسم عاشوراء كانت تبقى الى يوم (الفلة) تحت حراسة الجيش، حتى لا تتذابحوا فيها أثناء شروع المعزي بالرثاء، والنوح أو أثناء اللطم على الصدور ندماً على عدم نصرة الحسين .. ولعلّكم ما زلتم حتى الآن تتخذون في عاشوراء إجراءات احتياطية، خوفاً من أن تشتعل الفتنة الكامنة والمتأهبة، رغم التحالف القديم والذي فاجأتم أنفسكم بشدّة الحرص عليه، وحلا لكم الغزل بحليفكم وصديقكم الذي يعرف كيف يستفيد من القدَر حتى لو اشتغل ضده، ومن هنا تعامل معكم وكأنكم قدَره حتى صار وكأنه قدَركم.
بناء على هذه المكاشفة المفيدة لنا ولكم، ننمي الى علمكم الشريف، بعد تأمل، بأنه قد لا يكون، او ليس بالضرورة أن يكون كل أعدائكم أعداءنا، ولا كل أعدائنا أو اصدقائنا القدامى، أعداءنا أو اصدقاءنا الآن أو غداً، وحتى لو اصبح اعداؤكم أصدقاءكم لاحقاً، كما يحصل وحصل معكم أكثر من مرة، وقد يصبح اعداؤكم اصدقاءكم وأصدقاءنا ايضاً، وأصدقاؤنا الجدد أو القدامى أصدقاءكم كذلك .. وليس لازماً أن يكون كل اصدقائكم الفعليين اصدقاءنا الفعليين، أو الاحتماليين، حتى لو اصبحوا أعداءكم لاحقاً، وقد يصبحون اعداءنا ايضاً، وهذا احتمال ضعيف .. والمهم هو أن لا تنتظروا منا الاستئذان في مَن نصادق أو لا نصادق، في مَن نحاور أو نقاطع. في هذا الامر خصوصاً لا نعمل بفتواكم، لأنه مجال من مجالات الحلال أو المباح الشرعي ولا ولاية عليه إلا في حدود الإرشاد .. هذا لو كنتم مراجع، وكان الأمر في فضاء الأحكام لا الموضوعات .. يعني أن انحيازنا هو حقنا الشرعي الذي لا يقع في دائرة الولاية العامة او الخاصة كما قد ترون ولا نرى، ولا نشعر بالحرج لأن الولاية الفقهية مسألة فرعية، وليست ركناً ينهدم الاسلام أو الإيمان أو التشيع بمخالفته .. فقولوا اذن لمن يطفون، ويظنون أنهم يتريضون بماء البحر أو النهر وهم على الوحل أو الضحل، ويأكلون ما يلفظه البحر أو النهر أو المستنقع من أسماك نافقة (محرمة شرعاً) .. قولوا لهم الا يفحشوا في القول، من دون أثر ذكر على من يفحشون في حقه بإسمكم .. لأن اسمكم يعني شيئاً نختلف على حجمه ، ولا نختلف على وجوده.
نريد ان ننسى الاساءات التي صدرت من سفهاء وعقلاء، ونكتفي بالنفي أو التنصل ونقول لهم سلاماً .. نريد أن ننسى، لأننا نريد أن نمشي الى غدنا الذي تتكاثف العتمة حوله، نريد أن نضيء طريقنا بالمعرفة والاعتراض والحوار والشراكة والإختلاف والأدب واللغة الراقية وعدم الوقوع في أساليب البسطاء من الناس الذين يتسلحون بالقطيعة لردّ غائلة الاختلاف في الرأي الذي لا يطيقونه لأنهم لا يدركون الحكمة فيه أو المنفعة .. ومن لا يمشِ يتراجع، ومَن ينكفئ على عقبيه يسقط ومَن يراجع يعوض، ومَن يسقط لا ينتشله أحد الا لإضافته الى أدواته ويرتهنه .. والتوبة في أوائل الارتكابات خير منها في آخرها .. أي قبل استكمال الخطيئة .. التي تكون كبيرة بقدر ما تستصغرها كما في مأثورنا النبوي .. والمراجعة والتوبة عن فاحش القول والظن اشرف لأهل الذمم والهمم، وألْيق بهم، خاصة إذا كانوا من أهل السياسة الفاعلة لا المفتعلة ولا المنفعلة ولا المفعولة، إنني أقدم لكم هدية العيد، بقجة من غفران وصرة من مسامحة ونسيان، لإساءاتكم تجاهي وتجاه أمثالي وكالة عنهم، وأكتب لائحة بإساءاتي التي تعرفونها أو تجهلونها، مع اعتذار مكتوب وممهور بتوقيعي وبصمة إبهامي وعيني .. وعلى عيني وراسي، شرط أن لا تطمعوا بالتراجع عن نقدي لكم إلا إذا راجعته أنا وعدّلته .. أما ودي فهو وتد أو أوتاد كالجبال، ولكني أنصحكم بألا تجرحوا ولا تحرجوا أهل العقول والقلوب الطيبة ليظهروا خلاف ما يضمرونه. نسامحكم ونطلب مسامحتكم حجباً لما يحجب من دم وكرامة ورأي وحرية وحق وأمن وصلة تقوم مقام الضرورة من طموحنا بالشراكة رغم الاختلاف بل وبسببه.
أيها الناس، أيها المواطنون، ايها الجمع اللجب، يا مَن تكادون تملكون أشياء بينة أو ملتبسة، وقد ملكتم أشياء ثمينة .. أدعوكم أن لا تخطئوا أمراً غير منظور، ولكنه فاعل بعد الفاعل الأول .. هو الفاعل الثاني، هو العقل .. فلا تعجبكم كثرة ولا قوة .. الأقوى والأكثر هو مَن يستشعر الخطأ ويتفاداه أو يعالجه إن وقع .. ويدعو مع الإمام زين العابدين .. “ولا ترفعني في الناس درجة الا حططتني عند نفسي مثلها ولا تحدثن لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي تصدره”.
ولتعرفوا أن كباركم يعرفون اننا سبقنا في طريق العمل الصالح ودفعنا الضرائب راضين ولم نفكر بالمكاسب قابعين .. ولكننا نقدنا تجربتنا بأمانة، ولم نجلد أنفسنا ولم ننكر إيجابياتنا ولا سلبياتنا .. واعتذرنا لمَن كان له علينا حق الاعتذار من المختلفين والمتفقين .. واعتذروا منا ..
وإن سكت كبار السن والقدر فيكم .. فإن حجارة الجنوب وتبغه وفقراءه .. وطرابين العيزقان في جليل فلسطين، تشهد بأن بشراً خلصاً حركوا رياح عاملة شقيق الجليل بسباباتهم ويراعاتهم وحملوها لقاحات روحية في حناجير دم مموهة بماء الزهر والورد ومقطر (العيزقان) أو الميرامية .. مع صواعق لعناية دلال المغربي وتيريز هلسة .. وسعيد حرب .. لا نمنّ عليكم ولا نبخسكم اشياءكم، فلا تمنوا علينا ولا تبخسونا أشياءنا .. أنصفوا أنفسكم وشهداءكم بإنصاف المختلفين .. لأنهم أحرار .. وإن كنتم لا تريدون فأنتم الأخسرون أعمالاً .. ولن يتوقف الحوار الى يوم القيامة .. وهي – القيامة – حوارية ايضاً.
لقد عرفنا قوتكم عياناً وبالملموس .. وأردنا لها أن تتزين أو تتحصن بالعقل الذي يحرر فيتحرر، فإذا بها تصرّ على تحويل الحرية الى ما يشبه القيد، عندما تخصص ذاتها بالثمرة وتصر على انتقاص حق الشركاء أو حرمانهم من حرياتهم، بالاستقواء على البعض واستتباع البعض، وتهز أعطافها، وتذهب في عُجب وتحديق نرجسي، في الزناد والزنود ..
حيا الله زنودكم وزنادكم .. ولكن العقل، هو الذي خلقه الله لكي يُعرف به، وهو الذي يُقبل ويدبر، أي يفعل ويكف عن الفعل، بأمر الله ونهيه، لأنه المؤهل لمعرفته، وبه يكون الثواب والعقاب، اي أننا قد نقوم بأعمال عظيمة، ولا نحسن استثمارها في الخير أو أننا نستثمرها في الشر، لأننا لم نستخدم عقلنا، وقد نقوم بأعمال بسيطة، ولكننا نداوم عليها ونعدل في مساراتها، فتصبح ثروة تتزايد كلما وسعنا نطاق المساهمة فيها والاستفادة منها .. فأرونا أدلة شافية، على ان عقلكم ما زال قادراً وحده (؟) على الرجحان والترجيح، وتقديم المصالح على المفاسد في سوريا ولبنان والعراق وغيرها، وقبل فوات الأوان على الجميع .. عليكم خاصة أو أولاً ، خاصة بعدما برزت المفارقة الفاجعة بينكم وبين حركة حماس، عندما غادرت دمشق النظام الى غزة، وانصرفتم عن حيفا الى القصير!
ان الذكريات المُرة ومعاناة مَن عانوا، من طريقتكم في مشاركة شركائكم من غير فصيلكم، هي ثمرة قراركم بالاكتفاء بذاتكم، والاستغناء المتكرر عن المختلفين عنكم أو معكم، ولو قليلاً، في قراءة الوقائع ودلالاتها ومساراتها ونهاياتها المحتملة، من دون أن يكون المجال متسعاً أو مضموناً أو مأموناً للمتفقين من غير المذعنين .. وأنتم تسلكون هذا المسلك غير آبهين بأن الاستهتار بعقول العقلاء هو استهتار بعقل المستهتر ذاته (من شاور الناس شاركهم عقولهم).
هذا الكلام لا يتجاهل قدراتكم على التنظيم والضبط من دون القضاء على مخاطر التفلت والفساد كما ثبت، وعلى ادارة المعارك الميدانية في السياسة والعسكرية والانتخابات والأمن، وإن كانت الثقة العالية جداً، حاملاً حقيقياً للمفاجآت المحرجة .. لم يسلم أداؤكم الكفي، من خلل في تجنيبكم خسائر تقدّرون مقدار فداحتها أكثر منا. ولنفترض جدلاً أن عقلكم قد كبر الى حد عدم الحاجة الى الشراكة، وهذا افتراض مدهش وقد حصل في تاريخ كثير من الأقوياء أو المستقوين، أو المنتصرين على أحد، انتصاراً تاماً، أو ناقصاً تخيلوه تاماً، فدفعوا الثمن مرتين، مرة على طريق النصر، ومرة عندما فرطوا في النتائج بالمبالغة .. لنفترض أنكم شبعتم ولم تعودوا بحاجة الى مساهمين أو مضاربين .. ولكننا نعرف أنكم تعتنون، ومن واقع الشعور بالكفاية والاكتفاء، بمشاركة، مباينين لكم، أو متناقضين، إلا في حدود الأهداف الخاصة، نيابة، وزارة، رئاسة، مديرية، صفقة استثمارية الخ.. وتحرصون عليهم وعلى سلوكياتهم المثيرة، والتي يحاولون فيها تجسيد الولاء النهائي لكم غير المشروط الا بشروط متفق عليها في ملحقات سرية للمواثيق المعلنة، اليس من هنا ما نراه، من علمانيين، أو ليبراليين، أو ملحدين أو متدينين بدين آخر أو مذهب آخر، أو زعيم آخر أو حزب آخر، وبالدولة المدنية اللادينية دائماً، وهم مستعدون للإلتزام العملي بكل الطقوس الواجبة والمستحبة، ويبدون في مناسباتكم وخطاباتهم، وكأنهم من عجائزكم إيماناً وتقوى .. هذه من مواهبكم ولكنها في المحصلة تشبه (الأكروبات أو الجمباز).. ينتهي من يتقنها ويمتع الجميع من أنصاره ومشجعيه وغيرهم، ومبكراً، الى ذكرى حلوة في ذاكرة المتفرجين، وذكرى مُرة في ذاكرته الشخصية، لأنه يذهب الى الهامش، فيجد نفسه مستغنى عنه، غير قادر على التلاؤم مع شروط الحياة العادية إلا بصعوبة بالغة، خاصة وأن نظام حياته اليومية قد جعله مريضاً بالنظام، الى ما يصيب جملته العصبية والفسيولوجية من تلف بسبب الإفراط في الاستخدام .. هذا وأنتم تنادون بالويل والثبور وعظائم الأمور، عندما يقترب بعض من تحبون أو لا تحبون، من صديق لكم قديم قد صار خصماً، مع احتمال أن يعود صديقاً لكم غداً أو بعد غد، عندما تنفتح (نفوسكم) وتنبذون وتنبزون من لا يخل بالمودة لكم، اذا آثر حرية الرأي والتعبير وبناء العلاقات، على تعميماتكم الحزبية الضيقة والجائرة، والتي تخرجون عليها ساعة تشاؤون، وتفخرون بشطاراتكم وقفزاتكم، وتنصرفون وكأنكم معصومون وعاصمون، ومن يعرفكم عن كثب، وحتى عن بُعد، يعلم إنكم تذهبون بسهولة الى الحيز الرخو او الفراغ في الفقه أو الشرع، بحيث تصبح أفعالكم متحررة تماماً من القيود الشرعية، الى حد تحليل الحرام وتحريم الحلال!
أليس هذا مصداقاً لمفهوم الإقامة العجيبة صيفاً وشتاء تحت سقف واحد او على سطح واحد، أو في ثوب واحد !! غير ثوب (علي) الصبور على الحر والقر، إرادياً، أو بمنحة من ربه كفاء خالص إيمانه .. والأكثر قرباً فنياً أو درامياً الى التناقض هو أنكم تستطيعون الإقامة صيفاً وشتاء وربيعاً وخريفاً، وفي الأجواء الصحراوية أو القارية أو شبه القارية أو المعتدلة .. تحت سقف واحد، ومن دون سقف اذا اقتضى الأمر، في صبر ذي رائحة تفح أو فحت علينا من إهابكم، آتية من باطنية إيرانية، اخاذة ومخيفة، يلخصها ما يقال من ان الإيراني يذبح بالقطنة، وأن الإيراني الذي ضبط في حوزة النجف يغمز بعينه لسيدة في طريقه، عندما لاحظ ان عدداً من الناس كشفوه، قرر أن يغمض احدى عينيه أمام الناس من غير خاصاته، لمدة عشر سنوات ليثبت أنه أحول!! والمدهش ان هذا الصبر والكتمان والقدرة على المفاجأة، ولكن بتواضع شديد جداً، هو الذي عرفناه، بالصدفة أكثر الأحيان، من المقاومين، مداميك التحرير العميقة والسرية، والتي يتم تبديد تراثها في أسواق تبييض عملة الطواغيت.
وهكذا أيها الاخوة، تجدون، وبسهولة، مجالاً للإغضاء والتعمية أو العماء عن موبقات ونكران أو تشويه فضائل ومكرمات، وتقيمون الدنيا ولا تقعدونها، على مخالفة اضطرارية لقامة عالية ومرموقة ومختلفة لم تكن معادية، وتسامحت، قامت بحركة مخالفة ظاهراً لحكم فقهي مذهبي، يفتي كل المراجع بجوازها إذا كان الالتزام موجبا للحرج الشديد، أعني مصافحة السيدات من غير المحارم.
ولوا أن سلامة أبدانكم وأرواحكم ومتاعكم، وكرامة أهل التضحية والعطاء والدّينُ في رقابنا، من بينكم، وهم كثر نعرف غصتهم المكتومة او المعلنة من تحويلهم من تحرير الأرض والانسان، الى تعزير الاستبداد على حساب الحرية، حرية الارض والانسان، حرية العبادة والعمل، نعرفهم، وقد عرفناهم كما عرفونا في المحن والامتحانات الصعبة، في بدايات المقاومة بعد احتلال الجنوب، وكان كثير منهم بيننا ومعنا وكنا بينهم ومعهم، عندما قرر المناضل الفلسطيني أن يستجيب لنداء الأرض، ويصغي لصوت الرجاء العربي، بعد النكسة، ولدينا من الوثائق والذكريات ما يثبت أن الأبدال من الرجال الرجال، احتضنوهم وقاية لهم من صقيع الشكوك ولدغ الأفاعي ولَسْب العقارب ومراوغة الثعالب وأنياب الذئاب التي تشبه الحملان أحياناً .. عرفناهم وعرفونا، تعارفنا بالمعنى القرآني، أي تكاملنا معرفة متبادلة، ونضالاً مشتركاً، وعرفنا فيهم ومنهم ما يسعد الشرفاء ويسرّهم ويزيدهم شرفاً ويبقى في الأرض، يتحدى الزبد الذي يذهب جفاءً أبداً .. وما منا من انتظر جائزة، وقد يكون مَن انتظروا الجوائز من صنف آخر من الناس ، أنتهم تعرفونهم، من داخلكم وخارجكم، ونحن نظنّ ولا يقين لدينا، اليقين يقينكم بمن كان مبدئياً أو وصولياً .. ومن كانت هذه حاله، من الشراكة المفتوحة، لولا أنه يعتبر سلامتكم تكليفه الديني والشرعي والوطني والأنساني والروحي والعربي والشخصي والذاتي والأدبي، لما كان مستعداً لتجشم المتاعب والمخاطر واحتمالات سوء الظن والفهم والتقدير من قبلكم، او من قبل بعضكم من دون اعتراض منكم، الا رفعاً للعتب أحياناً.
لا اذيع سراً اذا قلت: أدهشنا اندفاعكم المبكر، وقبل داعش والنصرة، واي رصاصة نظيفة او مشبوهة من المعارضة السورية، وعندما كان الحراك شعبياً محضاً، وكان بوتين يفكر بكيفية استعادة تراث الـ K.G.B. في هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما، وكان أوباما يفكر بكيفية الغزل الطيّار مع المعارضة والبحث اليومي لتأمين المنامة في مخدع النظام، وكان العرب يتسابقون في زيادة جرعة المخدرات الشقاقية بينهم تمهيداً أو توكيداً لقرار العجز من فلسطين الى اليمن الى ليبيا الى مصر الى السودان الى سورية الى البحرين الى العراق الى لبنان الى الصومال .. الى .. الى .. ماذا يبقى؟ أخشى أن تكون “مصائب قوم عند قوم فوائد” .. وفوائد مبالغ فيها .. مع التنبيه بأن (المستأجَرة ليست كالثكلى) .. فكيف اذا كانت المستأجَرة هي المستأجِرة، يساعدها تكوينها المزدوج بعمق ونظام صارم بين الظاهر الساطع والباطن الذي يغفو بعين واحدة؟
إذن .. كان لافتاً، ومَن يعرف ولا ينسى اسلوبكم في ادارة أموركم على سنة البلد المنشأ، لا يتعجب، أو يتعجب قليلاً، وإن عاد الى السؤال، أو الحكم بأنكم أسرعتم الى سوريا، عندما كان الحراك السوري المعارض ما زال شعبياً وسلمياً محضاً، سلاحه الأمثال ثقافة فولكلورية راقصة وغنائية مفصلة على نوطة مواجع حرية وعدالة عتيقة ومبرحة، وحوله قوى وطنية مدنية تعددية تحاول أن توجهه من خلال الشراكة، وتتدبر له أطروحة أو لائحة مطالب ثورية واقعية موضوعة في سياقات ملائمة، وبصرف النظر عن مدى قدرتها على ذلك، وإن لم يكن مستحيلاً، فهو صعب، خاصة وأن أصدقاء الحراك الشعبي المدني السوري، لم يكونوا أصدقاء حقيقيين، ثم تبيّن أن أكثر الحلفاء المفترضين، هم أعداء حقيقيون للتيارات المدنية، في كل الانتفاضات العربية، وخاصة السورية، وانهم مارسوا ارهابا مكملاً لإرهاب النظام، عن تواطؤ أو من دونه .. وهنا كانت فرصتكم .. والسعادة بغطاء التكفير الذي هو ديدن الأحزاب التي تكثر انشقاقاتها، والمذاهب الدينية عندما تغلب على عقلها فكرة الفرقة الناجية، ولعل كل الفرق الدينية لا تسوغ ذاتها وفعلها إلا بهذه الفكرة، وإن كانت هناك استثناءات، اي محطات لم تتم فيها التصفيات، بين المذاهب بغطاء فقهي غير مبتدع، وطلب سياسي، وحتى داخل هذه المذاهب، فإن هذه الاستثناءات مرتبطة بفترات محدودة، والسلوك السلمي الاندماجي، مبني على يقظة ما لدى السلطان والفقيه على مخاطر كبرى (حروب الفرنجة مثلاً.. ثوار العشرين في العراق ) .. ولا تكفي (هذه المحطات) لحل مشكلة الغاء الآخر بذريعة كفره لأنه مختلف في بعض الأصول أو الفروع، في المنظومة العقدية أو الفقهية الاسلامية، من دون استثناء، غاية الأمر ان قتلاً يتم من خلال متفجرة أو مجزرة وتقطع الرؤوس والأعضاء علناً من قبل ارهابي تناول جرعة زائدة من المهيج الديني، في مقابل قتل آخر، وبأسلوب مختلف جزئياً، كأن تكون الرصاصة نظيفة ولماعة ومسددة الى القلب حتى لا يتألم القتيل (الكافر قطعاً وإلا فلماذا يُقتل؟) .. حتى لا يتألم كثيراً ويموت وكأن موته موت الفجأة، هو يفاجأ ونحن نفاجأ، خاصة اذا عرفنا أن كثيراً من القتلى، أو أكثرهم، هم من أفراد الشعب السوري الذي كان طوال عمره مفتوناً بالمقاومة !!!
لقد كان بالإمكان أن تظهر مواهب كثيرة من قبلكم أو بمساعدتكم في سورية، لأنكم تعرفون أنها غنية بالمفكرين والمناضلين المجربين من كل الأنواع والأوزان والمعايير المحلية والعربية والدولية .. وتعرفون ان النظام لم يقصر في العمل على تبديدهم في السجون والمنافي والمقابر والخيانات المدروسة والموصوفة .. والبداية (النهائية) كانت منحة أميركية لسوريا وعراق البعث، لدورها في تغذية الفتنة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، من خلال تشجيع المقاومة ثم خذلانها تمهيداً لاختراقها، بالصاعقة (سوريا) وجبهة التحرير العربية (العراق).
وبعدما اكتملت الخطة، منتهية بمقتل أبي علي اياد، مارة بالجهد المضني الذي بذله حردان عبد الغفار التكريتي – المقتول لاحقاً لإخفاء كثير من الاسرار الدميمة – وزير الدفاع العراقي وقتها ( 1969-1970) على قطعات الجيش العراقي وإبلاغ أوامر القيادة الى اللواء حسن النقيب بعدم الالتزام بوعود القيادة العراقية لقيادة المقاومة، التي كان خطأ بعضها عمداً وخطأ بعضها تسرعاً، وخطأ بعض آخر مسايرة لا داعي لها .. ومارة ايضاً، أي الخطة، بالحركة التصحيحية، بعدما ابدت قوة شريكة في النظام السوري (جناح نور الدين الأتاسي وصلاح جديد) عن عزمها على دعم المقاومة ضد الجيش الأردني بسلاح الدبابات اذا اقتضى الأمر ( بهورة فارغة كما كنا نعرف)، وحينئذ هدد وزير الدفاع السوري حافظ الاسد، المرتكز الى جهاز جدده بقوة وكفاءة (المخابرات الجوية) بأنه سوف يستعمل الطائرات لقصف أي قطعة سورية تتحرك في الأردن أو نحوه، وكانت اسرائيل على الضفة الأخرى تبعث سلاحها الجوي ليحلق فوق القطعات السورية على ارتفاع قريب ومعنى أقرب .. وفي هذه الأجواء تحولت الحركة التصحيحية الى نظام سوري مدعوم، سمح للمقاومة بالمرور من درعا الى لبنان، مع مهلة محددة زمنياً للقيام وترتيب الأوضاع، مع ترتيبات لوجستية وأمنية وسياسية مع المقاومة في الداخل السوري، تبقى على الضروري من المتابعة الأمنية التي تحافظ على موقع النظام السوري في القرار الفلسطيني، الذي كان يعيش همّ الاستقلال الصعب من دون قطيعة أو صراع مكلف .. ما لم يتوفر، خاصة مع النظام السوري، الذي كانت حماية موسكو الشيوعية له، ثمرة تفاهم اميركي روسي، عبّر عنه موقف (كوسيفين) رئيس وزراء موسكو عام 1976 عندما غطى الدخول السوري الى لبنان، بعميق عربي وتلزيم عربي ودولي للبنان الى شركة (قاسيون ) السورية!
وقد كان بإمكانكم، أن تشاركوا اصالة عن نفسكم ونيابة مفهومة عن إيران، في حكم سوريا وقرارها، من دون شبهة احتلال، قد تدفعون ثمنها مع جهات عدة، قد يكون أولها النظام السوري، الذي تمر حاله بقناتكم ولا تقف فيها أو عليها .. وكان يمكن أن تكون علاقتكم وشراكتكم مع النظام السوري، بعدما تسهمون في انقاذه وانقاذ الشعب منه، بالتسوية الذكية، شراكة مموَّهة أو شفافة بنسبة أو بأخرى، أو شرعية بنسبة أو بأخرى، أو شبه شرعية، أو التفافية، تفيد وقد تضر، مع إرادة وقابلية على تقليل الأضرار وتصليح الأعطاب وزيادة المنافع بالتبادل، وعدم تجاهل الممرات العربية الى سوريا وغيرها .. لأن قلب سوريا هو قلب العرب النابض .. أو قلب العروبة النابض، العروبة التي حلا لبعضكم، بني صدر أول مرة، ثم أحد كبار قادة الحرس الثوري لاحقاً (ربيع عام 2014) وبعدما بدا أنه انتصار للنظام السوري بالبراميل وداعش ومساعدتكم الكبيرة، على الشعب السوري وإجراء تمثيلية الانتخابات الرئاسية، حلا لبعضكم أن يضع العروبة والصهيونية في مصاف واحد .. ومن دون توقف عند النوايا الشخصية أو الجماعة .. فإن هذا خطل يعيد الناس الى ذحولهم التاريخية بدل أن يدفعهم الى صناعة مصائرهم المشتركة بالشراكة المتكافئة . إن الطريقة التي اتبعتموها لنصرة حبيبكم النظام ورئيسه في سورية، قد لا تنهض فوائدها الزهيدة لتنهض بقليل جداً من أضرارها العميقة على سوريا ولبنان والعراق وعليكم، أعني المقاومة المجيدة وإيران التي يهمنا أن تكون سديدة ..
لقد كان بإمكان قوتكم مدعومة أو داعمة لأصلها وفصلها الإيراني، أن تستخدموا نفوذكم وأفضالكم على النظام السوري، في تدبير تسوية تاريخية، ترغبونه بها وتكافئونه عليها، من دون وصاية، وتحفظون بها علاقتكم النقية مع الشعب السوري، الذي يشبه الشعوب العربية كافة، فيصبح اسيراً لاي داعم لأي مناضل فلسطيني ضد الصهيونية، من دون سؤال عن الدوافع والغايات والتفاصيل .. ان الحب العربي لفلسطين يبلغ حد العقدة أو العقيدة لدى الشعوب .. أما لدى الأنظمة فهو عقدة فقط .. أعني انه كان يمكن بالشراكة بينكم وبين الأنظمة الداعمة للنظام السوري على كل حال، من موسكو الى بكين الى واشنطن، ان تنقذوا الشعب السوري والنظام السوري ولمدة كافية لتهيئة البديل بسلاسة ومن دون كوارث، من خلال برنامج إصلاحي تدرجي ونسبي بصورة مجزية .. ومن دون أن يصرّ أحد على تكليفكم بما لا يطاق لديكم، من نصرة الشعب السوري الذي رفع رأسه بمقاومتكم .. وكان هو أولاً وراء التكريم لشعب الجنوب واللبنانيين عموماً، عندما ألجأتهم جرائم الصهيونية في يوليو من عام 2006 الى سورية .. لقد آثرتم أن تدخلوا البيوت من غير أبوابها، ومن دون استئذان من أهلها، أهلها هم الشعب، والحاكم العادل أجير .. فكيف بغير العادل؟ وقد كانت ثورتكم مثالاً للثورة على الجور والجائر، فما الذي أنساكم، أعني إيران، باعتبارها الطرف القابض، ما الذي أنساكم جراحكم وإعلانكم الإنحياز الى المستضعفين، حتى انكم في لحظة الصراع بين أرمن ناغورني كاراباخ والسلطة الآذرية (الشيعية) اجترحتم مأثرة تاريخية عظيمة بالوقوف مع الأرمن الجيران .. ضد الجيران الاشقاء!
وهذا ونحن على يقين بأن لإيران رباً وشعباً يحميانها، كما نحب ونرجو ونسعد .. ولها تقاليد عريقة في بناء الدولة، مع إشكاليات طبيعية ومختلفة، منها تعيشه الآن، بسبب ضغط ذاكرتها الإمبراطورية، وارتباك العالم حولها، والعجز العربي الذي تتضاعف مساوئه بقرار العجز، تعيش، بين المحافظين والإصلاحيين وصراعهم على السلطة (لا الدولة) قصور الأغطية الإيديولوجية عن ستر الواقع وحجب الوقائع .. التي، أحياناً، تقترب من الفظائع .. ولكن من لسوريا المجتمع عمراناً وثقافة واجتماعاً كان الأقل تاريخياً استجابة لعوامل التصدع والتشقق الديني أو المذهبي، لإقامته تحت سقف العروبة، عروبة الإنتماء الرحبة، والتي كاد أن يضيقها المشروع القومي الشوفيني، لولا أنها أعمق وأجمع وأبهى .. لولا أنها ضرورة كالبداهة وبمفهوم حضاري وانساني هو الغالب وإن ظهر وكأنه مغلوب .. من لسورية؟ ومن لكم؟ عندما لا يعود إسهامكم المميز – على شيء من اغتصاب أدوار أخرى – كافياً لمنع مساءلتكم أو محاسبتكم المؤدبة والعادلة، على تضخيم أحلامكم بالمصادرة والاستئثار أينما حللتم وقدرتم، حتى في مقاومة اسرائيل، التي استطعتم بمساعدة حليفكم السوري، ومن خلال رخويات وعضائيات السياسة والإدارة اللبنانية، بالأفاويه السورية اللازمة للوصاية، استطعتم أن تشطبوها أو تعطلوها، خطوة خطوة، وقطعة قطعة يتعاظم حجمها كلما وفقكم الله في تسجيل النقاط على الصهيونية، لتصبح المقاومة شأناً حصرياً بكم، تمهيداً لمحاصرة الدولة، وتجريدها من سلطاتها، مع الوعد أو الوعيد بمؤتمر تأسيسي للكيان اللبناني المحتاج الى تجديد عميق، لا الى إعلان وفاة لصيغته التي تحتاج الى إعادة قراءة للإضافة اليها لا الانتقاص منها، أو تمزيقها! لقد كان بالإمكان إنقاذ النظام السوري، الذي أسهمتم في وضعه في مسار شديد الخطورة عليه وعلينا وعليكم. من دون أن تقعوا في محذور نصرة النظام على الشعب، ما يذكرنا بالإمبراطورية الروسية التي وتحت اليافطة الأممية والعمالية والتقدمية، آثرت الأنظمة، حتى المباينة، على الثورات والشعوب الصديقة .. ودائماً!!
وكان يمكن أن يستمر الصراع أو التنافس أو التسابق، سلمياً بين النظام السوري وقوى الاعتراض السلمية، من دون أن تتحول سورية الى حالة مرضية، في حال من استعداد العراق الذي ابدعت حكومته في استقطاب التطرف والتطرف المضاد، الى تلقي الفايروسات والإسهام الباهظ في تعقيد كل المسائل الاقليمية، كما يقول التداخل المعقد مع الوضع في العراق، الذي تتكرر فيه أخطاؤكم وأخطاء إيران أكثر، وأخطاء اصدقائكم وحلفائكم وأعدائكم والمختلفين معكم أو عنكم ولا يملون من الصبر عليكم وحسن الظن بكم ونصحكم والاستعداد لشراكتكم ضمن حدودهم وحدودكم في العراق الذي تهب عليه رياح المفاصل والسَّموم والخماسين والتسونامات والهزات من كل جهة، لأنه كان مرشحاً لأن يكون رباعية المتلازمة الثلاثية من العواصف التي تم وضعها أو ترشيحها لأن تكون أساساً للشرق الأوسط الجديد (طهران وأنقرة وتل أبيب) من دون نقطة نهاية .. مع هامش أميركي، لروسيا والصين، ومزيد من تحجيم دور مصر والسعودية، على قابلية ذاتية، وعزل المغرب العربي عن المشرق، وإعاقة تونس، وتخريب ليبيا بأيدي أعدائها وابنائها، الذين أفقدهم العقيد المعقد لياقتهم على العيش بحرية.
وهكذا ذهبتم من مقام الشعوب الى مقام الأنظمة، ومن مشروع التحرير الذي إن لم يمر بالقدس فلن يمر، الى عرسال الورد والمليحة والشيخ مسكين ونواعير حمص .. لتقفوا حيارى أمام صواريخ حماس، التي كان إنشاء مديحكم القديم لها قاصراً عن تبرير الإنشائيات المدببة واليومية في شتيمتها وتخوينها، عقوبة على ارتكابها الفضيلة الممانعة في دعم النظام السوري ضد شعبه!
إن الذين يحبون أن تبقوا في سوريا، أو يكرهون خروجكم منها بأقل الخسائر، شيء، أو فريق، لا يجوز أن يمنعكم من الإصغاء الى خطاب فريق آخر، أوسع وأخلص وأوضح وأنصح، وأهله يختلفون معكم وعنكم، ولكنهم لا يستسيغون ولا يشرفهم العداء لمقاومين حملوا السلاح مبكراً أو شاركوا في المقاومة بعد النكسة، وبعد اجتياح لبنان رفعوا من وتيرة نضالهم، من دون أن يكونوا وحدهم، ولكنهم صاروا ميدانياً، بفعلهم، وحدهم تشبه ذاتهم أو ذواتهم، طبعاً مع شعب لبناني وشعوب عربية، لم تبخل بالصبر والتضحية .. والآن هناك بعض من يريد محاسبتهم على الشراكة المتقدمة في التحرير .. وكثيرون يريدون محاسبتكم على ما فعلتم بوردة الت<
من السيّد هاني فحص الى ’حزب الله’…
من السيّد هاني فحص الى ’حزب...السيد هاني فحص
NewLebanon
مصدر:
الرأي
|
عدد القراء:
5199
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro