ركزت معظم وسائل الاعلام والمواقف تجاه الحرب الوحشية التي يشنها الجيش الصهيوني على قطاع غزة على الجانب الانساني وحجم الدمار وعدد الشهداء والجرحى والطبيعة الوحشية لهذا العدوان وكل ذلك يعتبر امرا مهما لكشف همجية العدو الصهيوني ووحشيته وكذلك من اجل استنفار الرأي العام العالمي للتعاطف مع الشعب الفلسطيني وخصوصا ابناء قطاع غزة.
لكن اضافة لهذه الابعاد الانسانية وللوجه الوحشي للعدوان ، فان هناك ابعادا استراتيجية ومستقبلية للحرب على غزة ينبغي الالتفات اليها ودراستها وان كان ذلك يتطلب بعض الوقت وانتظار نهاية الحرب وما ستسفر عنه ان الصعيد الميداني او السياسي او العسكري.
ويمكن حاليا وبعد مرور 24 يوما على الحرب العدوانية وفي ظل ما جرى حتى الان من تطورات ميدانية وعسكرية وفي ظل عجز الجيش الصهيوني عن مواجهة المقاومين وتركيز القصف والعدوان على المدنيين والمؤسسات الانسانية والاطفال والنساء والمدارس ، ان نسجل الملاحظات الاولى:
اولا: ان فترة هذه الحرب( 24 يوما) هي من الفترات الطويلة للحروب التي يشنها الصهاينة على الدول العربية، وقد تمتد هذه الحرب الى فترة اخرى كما حصل خلال العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006 (33 يوما) ، ورغم كل اشكال القصف والتدمير وكمية المتفجرات التي استخدمت والقوة النارية وعدم التكافؤ بين الجيش الصهيوني والمقاومين، فان هذا الجيش لم يستطع التقدم الا الى مسافات قليلة نسبيا في قطاع غزة حتى اليوم ، كما لم ينجح باحتلال سوى مساحات قليلة من الجنوب اللبناني عام 2006 بعكس الحروب التي حصلت سابقا.
وهذه النقطة تحتاج لدراسات معمقة ان لجهة واقع الجيش الصهيوني او على صعيد الاستراتيجيات الحربية ودور المقاومة في الصراع على خلاف دور الجيوش النظامية العربية.
ثانيا: ان التكتيكات العسكرية التي اتبعتها قوى المقاومة ، سابقا في لبنان ، واليوم في قطاع غزة ، تجمع بين اسلوبين ، الاسلوب الاول هو اسلوب الجيوش النظامية من حيث اطلاق الصواريخ والمواجهة المباشرة واعتماد المحميات او الانفاق للقتال والاسلوب الثاني هو اسلوب حرب العصابات عبر شن الهجمات السريعة وان كان تكتيك انتظار قدوم الجيش الصهيوني والانقضاض عليه قد اعتمد ايضا ن مما يعني اننا اصبحنا اليوم امام مدرسة قتالية جديدة تجمع بين الحروب النظامية وحروب العصابات وهي مدرسة بدأت تدرس في عدد من الاكاديميات العسكرية بعد حرب تموز 2006 وستكون موضع اهتمام ودراسة حاليا بعد حرب غزة.
ثالثا: ان الكيان الصهيوني لم يعد يمتلك اية شرعية اخلاقية او سياسية او قانونية في حروبه ضد العرب او الفلسطينيين ، فهو في كل الحروب السابقة كان يخترع الاسباب او المبررات التي تبرر له شن الحروب وهي مبررات غير صحيحة ، لكن للاسف كان بعض الرأي العام العالمي والجهات الدولية يتعاطف مع الكيان الصهيوني ويبرر له جرائمه ويقدم له المساعدات العسكرية والاعلامية والسياسية، لكن اليوم لا يبدو ان الرأي العام العالمي يصدّق ما يقوله الصهاينة وبدأنا نشهد حملة اعلامية ضد ممارسته ، وان كان للاسف فان الانظمة العربية والرأي العام العربي لم يتعاطف مع الفلسطينيين بالمستوى المطلوب ، بل ان بعض الاعلام العربي وبعض الانظمة العربية تشن حربا ضد الفلسطينيين وقوى المقاومة.
هذه ملاحظات اولى وهناك ملاحظات اخرى قد نتحدث عنها لاحقا.
قاسم قصير