يُحرج اتساع دائرة الكلام على حركة ناشطة في اتجاه رئاسة المجلس النيابي تحضيرا للتمديد للمجلس والمدة التي سيكون عليها هذا التمديد، الرئيس نبيه بري باعتبار ان هذا الكلام يضع التمديد والعمل له في خانته في الوقت الذي لا يود ان يكرر ما حصل في التمديد السابق لهذا المجلس. اذ ان افرقاء من قوى 14 آذار كانوا وافقوا على التمديد في حين لم يتأخروا في التوجه الى الطعن به امام المجلس الدستوري، ما عدّه بري في حينه سعيا الى ضمان الشيء وضده واثار انزعاجه. ولذلك هو يريد ان يضمن موافقة جميع الكتل على التمديد للمجلس ولا يرغب في ان يتحمل المسؤولية وحده. ما يعني انه يرغب في موافقة كتلة المستقبل والمسيحيين والنائب وليد جنبلاط و" حزب الله"، في حين يعتقد ان تكتل العماد ميشال عون سيبقى على رفضه التمديد للمجلس النيابي ولو انه سيستفيد من التمديد عمليا من دون ان يستقيل نوابه او يقدم على اي خطوة عملية رافضة له باستثناء مقاطعة جلسة التمديد على الارجح. فيما تؤكد مصادر سياسية عليمة ان الجميع يعون ان التمديد امر واقع لا بد منه لاعتبارات كثيرة، من بينها في شكل اساسي ان التمديد للمجلس هو عنصر من عناصر استمراريته من اجل انتخاب رئيس جديد، وليس حتميا ان يجرى التمديد في الايام الاخيرة من ولايته الممددة.
وفي هذا السياق لا يظهر في الافق اي مؤشر يسمح بالامل ان الانتخابات الرئاسية محتملة في المدى القريب او المنظور. اذ ان المعادلة الداخلية التي لا تزال تعرقل الانتخابات تبقى على حالها، وفي مضمونها واسبابها المعلنة ان موضوع الرئاسة بالنسبة الى "حزب الله" مرتبط بالعربة التي يقودها العماد عون وهو ليس مستعدا ان يتفاوض عليه في هذا الظرف على رغم ادراك عون، وفق ما يسود الاعتقاد، ان حلفاءه ليسوا جديين في دعمه. لكنه يتمسك برغبته في ان يكون المرشح الوحيد للرئاسة الاولى وحلفاؤه يتمسكون به، على الاقل ظاهريا، كذريعة في حين ان الاسباب قد تكون كامنة في اماكن اخرى غير محلية، في ظل اقتناع ان الحزب يبقي على عون في الواجهة ما لم يتوفر له ايصال من يعتبر انها الشخصية الضامنة له كليا، وهو لا يبدو امرا محتملا في الظروف الحالية. وفيما يتوقع البعض ان يشكل التمديد للمجلس وسط موافقة شبه جامعة من الكتل احراجا لبعض الافرقاء ممن سيحضرون جلسة التمديد للمجلس في حين يتنصلون من المشاركة في جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية ككتلة الحزب تحديدا، فان المصادر لا ترى ان هذا الاخير سيكون معنيا باحراج مماثل ما دام عون يصر على ان ينتخب رئيسا وعلى عدم سحب ترشحه عن الطاولة. ولا يبدو الضغط السياسي الداخلي خصوصا من جهة الكنيسة المارونية كافيا او مؤثرا على نحو كاف لاعتبارات متعددة لا مجال للدخول فيها، خصوصا ان الخطاب السياسي للكنيسة لم يحدد في شكل خاص علة العرقلة من خلال تسمية طرف محدد يحمله المسؤولية صراحة وبوضوح، والاصرار على ذلك على نحو يحرج هذا الطرف شعبيا وسياسيا. ولعل البطريرك الماروني لا يود ان ينسف جسور العلاقة مع هذا الطرف وحلفائه او يود ايضا الابقاء على تماسك الكنيسة ووحدة مواقفها. ولم تفعل ذلك علنا اي دولة مهتمة بلبنان باعتبار ان ليس من مسؤوليتها ان تقوم بذلك. فيما ان تحديد القوى السياسية لسبب العرقلة يدخل في اطار الاتهامات السياسية المتبادلة التي لا تؤثر فعلا في تغيير مجرى الامور.
يقود ذلك المصادر المعنية الى جملة تساؤلات، من بينها كيف يمكن ان يتحمل طرف مسيحي المسؤولية التاريخية عن العرقلة التي يمارسها وما يمكن ان ترتبه من انعكاسات محتملة على وضع البلد عموما ووضع المسيحيين خصوصا. فما يحدث في دول الجوار امتدادا من العراق الى سوريا وسائر دول المنطقة يشي بمتغيرات خطيرة وضخمة، ولو ان هناك من يدعم بقاء بشار الاسد في موقعه او بقاء نوري المالكي ايضا كجزء من الصراع القائم ليس على مستوى المنطقة فحسب. لكن ليس من الواضح اذا كان يمكن لبنان او المسؤولين اللبنانيين الاستمرار في التعاطي مع ما يواجهه لبنان من استحقاقات بالادوات والوسائل القديمة نفسها وفق ترف التعطيل والعرقلة اللذين يتم التعاطي بهما راهنا، ما لم يعتبر الاطراف اللبنانيون المستفيدون انه تم تجميد الوضع اللبناني بكل معنى الكلمة بحيث لا يخسر احد ولا يربح احد في الظرف الحالي، ما يمكن ان يصب في مصلحتهم المباشرة لاحقا حين يتم تحريك الامور. لكن هناك مخاوف مسيحية جدية من ان المتغيرات في المنطقة مع المحافظة على الحكومة والتمديد مجددا لمجلس النواب ربما تحمل جديدا ليس في الحسبان قد لا يكون في مصلحة المسيحيين ما دام موقع الرئاسة في مهب الريح وشاغرا. يترجم ذلك التساؤل هل من ضمانات لدى الطرف المسيحي المعرقل اي العماد عون بأن شيئا لن يتغير على صعيد موقع الرئاسة مع تغير الاحوال في المنطقة او ان مرحلة الانتظار الطويلة والمضنية ستحمله الى موقع الرئاسة الاولى وترغم الافرقاء على الاقتناع لاحقا بما رفضوا الاقتناع به حتى الآن، اي انتخابه رئيسا.