تشييع «حزب الله» أحد قياديه، إبراهيم محمد الحاج، الذي سقط في العراق، في ذروة العدوان الإسرائيلي على غزة، وفّر على الحزب قول الكلام المنمق عن معاني المعارك التي يخوض على جبهات سورية والعراق.
سقوط الضحية الأولى لـ «الواجب الجهادي» على ساحة قتال بعيدة، يعلن من دون لبس وجهة «البوصلة» التي قرر الحزب اتباعها. وبعد مئات القتلى الذين ذهبوا في القتال بذرائع امتدت من حماية القرى الشيعية في سورية ثم الدفاع عن المقامات المقدسة ثم منع سقوط نظام الممانعة، نعى الحزب فقيده الأول في صراع لم يعلن المتحدثون باسم الحزب حتى الآن أسباب الانخراط فيه.
ولن يكون من العسير على هؤلاء إدراج إرسال المقاتلين اللبنانيين، الذين يعتقد انهم يؤدون حتى اليوم دور المستشارين العسكريين للميليشيات الطائفية العراقية، ضمن سياق مواجهة التكفيريين. وكان الأمين العام لـ «حزب الله» قد ساوى بين الحركات التكفيرية والاحتلال الإسرائيلي في واحدة من خطبه. القتال ضد التكفيريين يعادل مواجهة إسرائيل. أي أن الحرب الأهلية بين الطوائف والجماعات العربية لا تقل نُبلاً عن التصدي للعدو التاريخي للعرب، إسرائيل.
بهذه الحجة يستطيع «حزب الله» الرد على محاولات الإحراج التي تقوم بها حركة «حماس» عبر مطالبته ببذل المزيد من الجهد وصولاً الى فتح جبهة الجنوب اللبناني الهادئة منذ 2006، لنصرة قطاع غزة في نكبته الحالية التي حصدت حتى الآن أرواح ما يزيد عن 1400 من أبنائه جلّهم من الأطفال والنساء والمدنيين، قتلوا بنيران الاحتلال الإسرائيلي.
وفي منأى عن المزايدات التقليدية في السياسات والحروب العربية، يقول سقوط المسؤول العسكري الحزبي في العراق إن الأولوية هي للقتال الطائفي، سواء تلبية لأمر الجهة الممولة والمحركة للحزب، إيران، أو استجابة لشعور الجماعة الحقيقي بالخطر الداهم جراء تمدد «داعش» في العراق وسورية. وأغلب الظن أن الأمرين لا ينفصلان فصلاً إرادياً تعسفياً.
وفي الوقت الذي ترفع فيه التنظيمات السنّية أصواتها المؤكدة على الجهاد في فلسطين من دون أن تستطيع تقديم ما يزيد عن إطلاق بضعة صواريخ صدئة من القرى اللبنانية الحدودية، تجد نفسها في ذات الموقع الذي يقيم «حزب الله» فيه، موقع الحرب الأهلية المتقدمة على ما عداها من صراعات.
والحال أن نجاح الحزب اللبناني في الحفاظ على تأييد الكتلة الأكبر من طائفته رغم زجه بها في حربين إقليميتين حتى الآن، يشير إلى عمق الصدع بين مكونات المجتمعات العربية و «أصالته» واستحواذه على قدرة عالية على التكيف وتبديل الشعارات والأعداء. وليس «حزب الله» وحيداً في هذه الممارسة، ذلك أن للتنظيمات السنيّة المتطرفة لوائح طويلة بأعداء محليين تسعى في الليل والنهار إلى الإيقاع بهم.
يتعين النظر هنا إلى مقولة المقاومة ضد إسرائيل، خصوصاً من قبل القوى غير الفلسطينية، في ضوء جديد، فالمقاومة هذه وإن كانت اتسمت في بعض المراحل بسمات حركات التحرير، إلا أنها انتكست إلى مناهضة التحرر عبر إصرارها على البعد الطائفي والأهلي لكل الصراعات التي تخوض، بما في ذلك إسباغ الصفة الدينية على الصراع ضد إسرائيل وإهمال أي رابط بين إنهاء الاحتلال وبين تغيير المجتمع وتقدمه.
في هذا المنظور يتساوى القتال ضد إسرائيل بمواجهة التكفيريين، والتصدي للاحتلال الأجنبي بالحرب ضد الشيعة. ونجد أنفسنا في واقع تشير بوصلته الى الآخَر كعدو، بغض النظر عن هويته ودوره وموقعه.