لن يختلف هذا العام كثيراً عن الأعوام السابقة، البيانات نفسها عادت إلى الواجهة من جديد في مناسبة عيد الجيش اللبناني ، لكن في نظرة سريعة على مضامينها يتبين أن شيئاً منها لم يطبق على أرض الواقع.
بالمختصر، لم تأخذ المؤسسة العسكرية من القوى السياسية المختلفة، إلا الكلام الفارغ على مدى السنوات الطويلة السابقة، لا بل أن بعضها كان سبباً أساسياً في التحديات التي تواجهها في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان والمنطقة، والتي من الممكن أن تكون أكبر في المستقبل، في حال لم تقرر سريعاً مراجعة حساباتها بشكل دقيق.
هذا العام، إختارت قيادة الجيش شعار "نحن الحق وأمل الناس"، ليكون عنوان الحملة الترويجية التي تقوم بها، وهي على حق في هذا الإختيار، فمعظم اللبنانيين تربوا على أن هذه المؤسسة هي الضمانة بالنسبة لهم، لكنها اليوم أمام تحديين أساسيين ينبغي التعامل معهما بكل حذر.
تجمع مختلف الأوساط المتابعة على أنّ التهديد الإسرائيلي والخطر الإرهابي، هما التحديان الأبرز اللذان تواجههما المؤسسة العسكرية حالياً، لكنها لا ترى أن التعامل معهما من قبل السلطة السياسية، التي تخضع المؤسسة لقرارها، يتم بالشكل المطلوب بل هي كانت عاملاً سلبياً في المرحلة السابقة، بالرغم من أن الجيش عمل على مواجهة ذلك، وأثبت قدرة عالية على المعالجة.
على مستوى الخطر الإرهابي، تشير مصادر متابعة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الإنجازات التي حققتها المؤسسة العسكرية، لا سيما مديرية المخابرات، بالتعاون مع باقي الأجهزة الأمنية، خلال الأشهر الأخيرة، أكدت أنها قادرة على حماية لبنان من تمدد الجماعات الإرهابية التي تجتاح المنطقة، حيث تمكنت من القيام بأكثر من عملية إستباقية كانت حاسمة، ونجحت بتوقيف أكثر من شخصية خطيرة جداً، ما دفعها إلى أن تكون على لائحة أهداف هذه الجماعات، إلا أن هذا الأمر لم يكن بالسهولة التي يتوقعها البعض.
وعلى هذا الصعيد، كان من الواضح حجم الحملة التي قامت بها بعض القوى والشخصيات السياسية والدينية، موجهة الإتهامات إلى المؤسسة العسكرية عند كل توقيف أو عملية، في مشهد يوحي بأن المطلوب منها أخذ الإذن قبل القيام بأي عمل، وهذا الأمر ساهم في نشوء بيئات حاضنة لهذه الجماعات تعمل فيها بكل حرية، وقد يكون من الضروري التذكير بطريقة تعامل البعض في بداية الحديث عن وجود عناصر إرهابية في بلدة عرسال في البقاع الشمالي من قبل وزير الدفاع السابق فايز غصن، ليتبين فيما بعد بالأدلة القاطعة صحّة هذه المعلومات، حيث بات الجميع يتحدث اليوم عن مواجهة صعبة وتهديدات مصدرها سلسلة جبال لبنان الشرقية.
وبالرغم من كل ذلك، لا يزال هناك من يُصرّ على توجيه الإتهامات إلى المؤسسة العسكرية، وقد يكون الموضوع عائدًا لعدم محاسبة من قام بذلك سابقاً، بسبب التذرع بالحصانات الدينية والسياسية التي يتمتع بها هؤلاء، وتحويل الأمر إلى إستهداف لفئة دون غيرها.
في هذا الإطار، قد يظن البعض أن هذا الحديث مبالغ فيه، لكن لدى البحث الدقيق في حقيقة ما يجري، يتبين فعلياً حجم التأثير السلبي الذي لحق بالمؤسسة العسكرية من جراء الإنقسام السياسي الذي حولها أداة من أدوات الصراع السياسي تحت عنوان حرية "الرأي والتعبير"، في حين كان من الأفضل لو تم إبعاد هذا الكأس المر عنها، لكي تبقى كما يرد في البيانات السياسية، المؤسسة الضامنة لجميع اللبنانيين، والتي تعلق عليها الآمال الكبرى لمنع العودة إلى أزمنة لا يريدها أحد.
على صعيد الخطر الإسرائيلي، ليس غريباً أن تكون المؤسسة العسكرية، إلى جانب المقاومة، من ضمن بنك الأهداف الاسرائيلية، خصوصاً بعد إنتشار الجيش في منطقة الجنوب بشكل كبير، بعد عدوان تموز من العام 2006، بناء على القرار الدولي رقم 1701، مع العلم أنه كان هدفاً للاعتداءات الإسرائيلية على مدى السنوات السابقة، وقدم الجيش على مذابح الوطن الشهداء والجرحى الكثر، في حين لم تنجح السلطة السياسية في تأمين الحد الأدنى من مقاومة الصمود له على صعيد التجهيز والتسليح.
وليس خافياً على أحد، أن المؤسسة العسكرية لا تنقصها إرادة التصدي بأي شكل من الأشكال، والجميع يتذكر المواجهة البطولية التي حصلت في بلدة العديسة، لكن ماذا عن الإمكانات المطلوبة التي لا تحتاج إلا إلى قرار سياسي جريء، لا سيما أن ما يمنع حصول الجيش على أسلحة متطورة يعود إلى قرار دولي وإقليمي هدفه حماية أمن إسرائيل، وبالتالي الحل يتطلب قراراً معاكساً ينطلق من خطة مواجهة واضحة. في هذا الإطار، تُطرح الكثير من الأسئلة حول أسباب رفض السلطة السياسية المتعاقبة لجميع الهبات التي أرادت بعض الدول أن تقدّم إلى المؤسسة العسكرية، خصوصاً أنها لا يمكن إلا أن تفهم إلا في سياق الإذعان إلى الطلبات الدولية بذلك، في حين أنّ أي دولة تريد الحفاظ على سيادتها تبحث عن أي سبيل لتأمين مقومات ذلك.
في المحصلة، تريد القوى السياسية المختلفة تحميل المؤسسة العسكرية الكثير من المهمات، والتي تبدأ من حماية الأمن الداخلي عند وقوع أي إشكال، مروراً بمكافحة الإرهاب المستشري في هذه المرحلة، ولا تنتهي بحماية الحدود من أي إعتداءات إسرائيلية، من دون أن تقدم لها أي مساعدة ممكنة ولا حتى الحماية من الألسنة الثرثارة لبعض أركانها، لا بل هي تبخل عليها بحقوقهم على صعيد سلسلة الرتب والرواتب، والمناقشات التي حصلت خلال اللجان النيابية في السابق أكبر دليل على ذلك.