المواجهة في البقاع مواجهتان: عرسال مع البيئة الحاضنة، والحدود الساخنة المفتوحة على المجهول.
إستَقبلت عرسال النازحين السوريين من منطلق إنساني، وأيضاً مذهبي أسهمَ «حزب الله» في تأجيجه نتيجة مشاركته في القتال الى جانب قوات النظام. تفاقم النزوح، وتفاقمت العلاقات. عدد سكان البلدة يناهز 40 ألفاً، فيما يفوق عدد النازحين 120 ألفاً، تحوّل الرقم عبئاً وجودياً، مصيرياً، وانتقلت الثورة بشعاراتها وتباينات مكوّناتها الى السهل.كانت البيئة حاضنة، فأصبحت مستباحة. تحوّل السلاح فائض قوة وفائض نفوذ يتحكّم بمقدرات البلدة. لم تعد الشعارات كافية لتغطية التجاوزات، أصبحت لقمة العيش، والحياة الحرّة الكريمة في الميزان، والاحتكاكات اليوميّة تتفاقم، وتزداد الأمور تعقيداً.
وفي الجوار القريب، جبهة مفتوحة بين «حزب الله» والمجموعات المسلّحة. مواجهات استخباراتيّة تشارك في إدارتها أجهزة تنتمي الى دول صاحبة مشاريع ومخططات تتوافق مع مصالحها. مواجهات مموّلة سلفاً، ومدفوعة نقداً من صناديق عربيّة وإقليميّة، تمدّ المسلّحين بـ»الأوكسجين» المطلوب، لتنفيذ المخطط المرسوم.
مواجهات جديدها الآتي:
أولاً: إنّ ما يحصل لم يعد هدفه إسقاط النظام، بل نقل الثورة الى الداخل اللبناني إنطلاقاً من الخاصرة الرخوة على الحدود في خراج بلدة عرسال.
ثانياً: إنّ المجموعة الدولية لدعم لبنان، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على إلمام كامل بالتفاصيل، والمفارقة أنّ العديد من هذه الدول قد صَنّف «حزب الله» في خانة الإرهاب، وهو حاليّاً يغضّ الطرف عن تعاون فرَض نفسه ميدانيّاً على الأرض ما بينه وبين وحدات الجيش المنتشرة في وجه المجموعات المتطرّفة. وهناك تعاون مخابراتي دولي قائم.
ثالثاً: إنّ حركة التسلح قائمة على قدم وساق في القرى والبلدات البقاعية المتاخمة، خوفاً من المفاجآت غير المحسوبة، ودفاعاً عن النفس في حال حصول اقتحامات مباغتة.
رابعاً: إنّ المواجهات تحوّلت حروب استنزاف بين الأصوليّتين الشيعيّة والسنيّة، ولا مانع عند دول غربيّة وعربيّة من استمرارها لإنهاك الطرفين.
خامساً: إنّ ما تشهده عرسال، والحدود، إنما هو بداية فصل جديد. لقد دخلت سوريا مرحلة العرقنة، وقيام الأقاليم المذهبيّة، والفئويّة. والسؤال التحدّي: هل ستقتصر العدوى ضمن النطاق السوري، أم ستتمدّد الى لبنان؟
الجواب الذي يعرفه ويُردّده الجميع أنّ الإستقرار خطّ أحمر رسَمته وتعَهّدته المجموعة الدولية لدعم لبنان. وهذه حقيقة قائمة، ولكن هناك في صفوف بعض النخب السياسية والديبلوماسية مَن يتحدّث عن ازدواجيّة مريبة: كيف يكون خطّ أحمر في الوقت الذي يسمح فيه لـ»حزب الله» ومن معه من جهة، ومن جهة أخرى لـ«داعش» و«جبهة النصرة» و«كتائب عبدالله عزّام « وأحرار السنّة» وأخواتهم، باستحداث جبهة على الحدود لنقل النزاع الى الداخل اللبناني على مرأى ومسمع كل الأقمار الإصطناعيّة، وأجهزة الإلتقاط والتقنيات الإستخباراتية الحديثة التي تمتلكها هذه الدول المعنية بدعم لبنان؟ هل أنّ المخطط المرسوم لدول المنطقة لن يصيب الحلقة الأضعف من مسلسله، لبنان، إلّا بعد أن تكتمل حلقاته في كلّ من العراق وسوريا، ودول أخرى، ليبنى على الشيء مقتضاه؟
هناك من يكمل أطراف هذا الحديث بالقول: «إنّ «داعش» هجّرت في أقلّ من 48 ساعة أكثر من 400 ألف مسيحي من الموصل، من دون أن يرفّ جفن لأيّ طرف عربي، أو إقليمي، او دولي، ولولا التنديد الصريح لقداسة البابا فرنسيس، لكان المشهد أكثر فظاظة بصَمته على وحشيّته، فهل الصمت أملَته المؤامرة المحبوكة جيداً؟
لا جواب. والجواب الوحيد أنّ تهجير مسيحيّي الموصل وضعَ الأقليات المسيحيّة في النطاق الجغرافي لعرسال - الهرمل في البقاع، ووادي خالد - عكار في الشمال في حال من البلبلة والقلق.