يعتقد بعض السياسيين الراسخين في علم السياسة اللبنانية انّ لا رئيس جمهورية جديداً سيُنتخب ما لم يحصل حوار بين حركة «امل» و»حزب الله» من جهة، وتيار «المستقبل» وبيئته من جهة ثانية. وهذا الحوار لا يمكن أن يتمّ بالمراسلة وإنما بجلوس قياداتٍ فاعلة في الطرفين الى الطاولة.
ويؤكد هؤلاء السياسيون أنّ هذا الكلام لا يعني أنّ الفريقين باتا يتحكّمان بالاستحقاق الرئاسي وغيره من الإستحقاقات الداخلية الأُخرى، وإنما يعني أنّ حصول التوافق بينهما من شأنه أن ينعكس برداً وسلاماً على البلاد بكل مستوياتها وأوضاعها، وعلى القوى السياسية المتمحوِرة خلفهما بما يؤدي الى معالجة الأزمة ودفع البلاد الى آفاق الانفراج والوفاق.ويرى بعض السياسيين أنّ أيّ شيء في المنطقة لم يتغير لمصلحة إنهاء الأزمة اللبنانية، وأنّ ما تغيّر فيها لم يَصب في مصلحة التسوية لا في العراق ولا في غزة، فالتسوية التي أنتجت انتخابَ رئيس لمجلس النواب العراقي لم تنعكس تسويةً لموضوعَي انتخاب رئيس جمهورية جديد وتأليف حكومة جديدة سواء برئاسة نوري المالكي او غيره، إذ برزت عقدةٌ كردية حول موضوع رئاسة الجمهورية بعد عودة الرئيس العراقي جلال الطالباني من رحلته العلاجية الطويلة، لتُنغِص على هذا الأمر وتعوق معالجته.
والوضع في غزة مستمرّ على تفجّره بفعل العدوان الاسرائيلي الذي يرتكب المجازر ضدّ أبناء الشعب الفلسطيني الذين يقاومونه ببسالة لم تمكن إسرائيل بكلّ ما ترتكبه من مجازر من تحقيق أيّ من أهداف غزوها الجديد لغزة حتى الآن، إذ بدأت تواجه أزمة شبيهة بتلك التي دخلت فيها إثر عدوانها على لبنان في تموز 2006.
ولذلك يُظهر المشهد السائد في المنطقة أنّ هناك تعقيداتٍ في كل الملفات والأزمات المفتوحة فيها وأنّ المعنيين بها قد منحوا انفسهم، على ما يبدو، مدى طويلاً قبل أن يحدّدوا خياراتهم النهائية، بدليلٍ أنهم تجاوزوا الاستقرار في اتجاه اللااستقرار ولن يعودوا قبل أن يحققوا ما يريدون، إذ إنّ كلاً منهم يعتقد أنّ النتيجة ستكون في مصلحته.
غير أنّ ما يلفت اليه السياسيون إياهم هو أنّ هناك توازناً بات قائماً في كل الملفات والازمات، بات يستحيل معه على أيّ طرف حسم معركته ضدّ الطرف الآخر، ولكنّ المعنيين لا يبدو أنهم يريدون الدخول في تسويات على اساس هذا التوازن.
ففي قطاع غزة يسود هذا التوازن، إذ لم تسقط المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها في وجه العدوان، فيما إسرائيل تواصل عدوانها على أبناء هذا القطاع وترتكب المجازر اليومية في حقهم.
وفي العراق يسود توازنٌ بين الأفرقاء المتنازعين سياسياً أو في الميادين، فلا قوات المالكي حسمت المعركة ولا القوى المناوِئة لها من «داعش» وغيرها قادرة على اسقاطه.
الأمر نفسه ينطبق على سوريا على رغم التقدّم الميداني الكبير الذي تُحرزه قواتُ النظام في مواجهة مختلف فصائل المعارضة السورية المسلّحة. وفي لبنان أيضاً يسود توازنٌ في النزاع السياسي القائم بين فريقَي 8 و14 آذار لم يُمكِّن أيّاً من الفريقين حسمَ الموقف ضدّ الآخر منذ العام 2005.
ولذلك فإنّ ما يجري في الساحات اللبنانية والسورية والفلسطينية والعراقية يشير الى أنّ لا أحد من المعنيين الداخليين والخارجيين بالازمات التي تعيشها هذه الساحات يرغب بالتوصّل الى تسوية مع خصومه على اساس التوازن القائم، وانما كلّ يفتش عن غلبة، او يعتقد أنه سيكون الغالب في لحظةٍ ما.
وفي هذه الاثناء تبدو الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الروسي اللذان يفرضان عادة التسويات المتوازنة غير مستعدَين للتدخل في هذا الاتجاه، إذ ربما تعتقدان انّ ما يجري في الساحات المعنية لم يعد يشكل ضرراً مباشراً على مصالحهما، وانّ لا ضير من استمرار المعارك بالواسطة فيها الى أن يؤونَ أوان تدخّلهما وفرض التسويات المتوازنة على الأفرقاء المتنازعين.