عندما اطلق رئيس الشؤون الدينية التركية الدكتور محمد صالح كورماز الدعوة لعقد لقاء للعلماء المسلمين في اسطنبول بين 17 و19 تموز (يوليو) الجاري ، من اجل اعلان مبادرة العلماء للسلم والاعتدال والحس السليم ، لم يكن يتوقع ان هذا الموعد سيتزامن مع تطورات خطيرة في العالم العربي والاسلامي سيكون لها تداعيات مهمة على كل الاوضاع، وان كانت الدعوة لاطلاق المبادرة جاءت غداة التطورات في العراق وسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) على عدد من المحافظات العراقية واعلان الخلافة الاسلامية.
وقد انعقد المؤتمر العلمائي في اسطنبول بحضور حوالي 150 عالما ومفكرا اسلاميا ووزير اوقاف من 43 دولة عربية واسلامية ، ورغم ان التطورات في العراق وسوريا وعدد من الدول العربية كانت حاضرة على جدول الاعمال ، لكن العدوان الصهيوني على قطاع غزة والشعب الفلسطيني اعاد ترتيب الاولويات وجعل القضية الفلسطينية تتقدم على كل الموضوعات الاخرى دون ان يؤدي ذلك الى اهمال بقية القضايا.
وقد نجح الدكتور كورماز والمسؤولون الاتراك ( الرئيس عبد الله غول ورئيس الحكومة المرشح للرئاسة رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية احمد داوود اوغلو) في اعادة الحوار والتواصل بين القادة والعلماء المسلمين حول مختلف القضايا الاساسية ، مما فتح الطريق امام تشكيل لجنة من العلماء للتواصل ومتابعة مختلف القضايا الاساسية التي يواجهها المسلمون اليوم.
وكان واضحا خلال اعمال المؤتمر ،انه رغم وجود التباينات حول بعض القضايا ولا سيما ما يجري في سوريا والعراق والانتقادات القاسية التي وجهها عدد من العلماء السوريين والعراقيين لايران وحزب الله وحكومة نوري المالكي ، ان هناك رغبة تركية-ايرانية وبالتعاون مع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ممثلا بالامين العام الدكتور علي قرة داغي وعلماء اخرين بتجاوز الخلافات ووضع اساس جديد للحوار والتعاون من اجل معالجة القضايا السياسية العالقة واعادة اعطاء الاولوية للقضية الفلسطينية ومواجهة العدو الصهيوني وتصحيح صورة الاسلام والمسلمين في العالم مع العمل لرفع الظلم القائم في عدد من الدول العربية والاسلامية.
وقد نجحت الجرافة التركية(من خلال الدور الكبير لهيئة الشؤون الدينية التركية والمدعومة من المسؤولين الاتراك الكبار) في التوصل الى اطلاق وثيقة اسلامية مهمة تعيد تصحيح صورة الواقع الاسلامي والرؤية الاسلامية تجاه مختلف القضايا وخصوصا مسائل الحوار والمواطنة والتعددية ومواجهة التطرف والعنف والظلم وحماية الاقليات غير المسلمة في العالم الاسلامي وتبني كل قضايا المسلمين في العالم، كما ان الاتفاق على الية عمل لمتابعة هذه الملفات يعتبر خطوة مهمة في هذا الاطار في ظل دعم تركي كبير تمثل بالاسراع بتأمين مقر للمبادرة والاتفاق على خطة تحرك سريعة لاعضاء لجنة التواصل العلمائية والتي ضمت عشرة اعضاء(سبعة اساسيين وثلاث بدلاء).
لكن كل ذلك لا يعني ان الجرافة التركية ستعمل في ارض ممهدة، فهناك الكثير من الالغام التي ستواجه هذه المبادرة في ظل التطورات المتسارعة عربيا واسلاميا ووجود نقاط خلاف عديدة حول معظم القضايا الاساسية ، اضافة لوجود دول عربية واسلامية اساسية قد لا تكون مرحبة بهذا الدور التركي بل قد تعمل على تعطيله وتخريب هذا الجهد الهام.
لكن ما يجري اليوم في غزة ونجاح المقاومين والشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني الغاشم ، والتطورات التي شهدناها من خلال اعادة التواصل بين حركة حماس وحزب الله وايران والاخوان المسلمين والذي قد يمهد لجهود حقيقية للتعاون في اعادة ترتيب اوضاع المنطقة ، كل ذلك سيشكل ايضا قوة دفع اساسية للجرافة التركية والمبادرة الهامة للعلماء المسلمين والتي اعلنت من اسطنبول.
اذن نحن امام تطورات مهمة والدور التركي سيكون له تأثير كبير في مجريات الاوضاع وعلى امل ان تستطيع الجرافة التركية في فتح الطريق امام التسويات والمصالحات العربية والاسلامية وان لا تنفجر هذه الجرافة بالالغام الكثيرة التي ستوضع في طريقها
وعيد فطر سعيد رغم كل الالام والتضحيات والنصر للمقاومة وللشعب الفلسطيني ولكل الشعوب المظلومة والمضطهدة.
قاسم قصير
موقع عربي