هل يفتح كلام الرئيس سعد الحريري باب التشاور حول الاستحقاق الرئاسي ويطلق دينامية جديدة للانتخابات، ام يبقى كلامه اقل من مبادرة؟
تمديد مهلة التفاوض بعد 20 تموز، بين ايران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، اربعة اشهر فحسب، لا ستة اشهر كما كانت حال المرحلة الاولى، فتح الباب قليلا امام رسم احتمالات تهدئة مضبوطة الايقاع للوضع اللبناني من ضمن الملفات التي يجري التنسيق حولها اقليميا.
لا يتفاءل احد من المعنيين من المستقلين، ومن قوى 14 آذار، بامكان ان يكون ملف الرئاسة اللبنانية اولوية على طاولة البحث بين ايران وواشنطن، بحسب ما ينقل اليهم ديبلوماسيون اميركيون، لكن التهدئة الاقليمية قد تنسحب على الساحة اللبنانية، بحيث تستفيد من عامل الوقت وتمديد مهلة التفاوض لبلورة صيغة لترتيب الوضع الداخلي، تكون الانتخابات الرئاسية من ضمنها.
وتنقل اوساط سياسية ان الانتخابات الرئاسية يمكن في هذا الاطار ان تكون اقرب مما يتصور البعض، وان الاسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في بلورة النقاش السياسي حول احتمالات انتخاب رئيس الجمهورية في غضون اسابيع، بفعل التطورات الاقليمية الاخيرة، في العراق والملف النووي وحرب غزة والارتدادات التي خلفتها على اكثر من مستوى عربي ودولي. وهذه التطورات، التي يضاف اليها تفاعل المخاوف من ارتفاع وتيرة تورط حزب الله في المعارك قرب الحدود اللبنانية ــــ السورية، يمكن ان تسهم في تبني الحزب الدفع في اتجاه ما يمكن وصفه بـ «تسوية سياسية على اسم الرئيس العتيد»، لا انتخابات بالمعنى التقني للكلمة.
وقد يكون كلام الرئيس سعد الحريري الاخير عاملاً مساعداً على فتح كوة في حائط الانتخابات المسدود حتى الآن، وفتح المجال امام حزب الله لايجاد صيغة تسووية تشبه الصيغة التي تألفت الحكومة على اساسها بين ليلة وأخرى.
بحسب هؤلاء، فان كلام الحريري تزامناً مع تمديد مهلة التفاوض الايراني ــــ الغربي، لم يأت عن عبث، ولم يكن مجرد كلام عابر بعد صمت سبعة اشهر. بالنسبة الى عارفي رئيس الحكومة السابق، فان الحريري اعطى الاشارة الاولى لاحتمال تسريع مسار البحث حول هوية الرئيس الجديد. وهو أطل ليقول شيئا محددا، بالتلويح بأن الفرصة لانتخاب رئيس للجمهورية قد تكون اقرب مما تصورنا، وان في الامكان نقل النقاش حول الانتخابات الرئاسية من المكان الذي جمدت فيه الى مكان متقدم.
بهذا المعنى، فان كلام الحريري اشارة اولى الى ان ثمة حرصاً اقليمياً في التعاطي مع لبنان من اجل حفظ الاستقرار فيه، وان كل المبادرات الاخيرة التي صيغت عبر افكار وطرح صيغ رئاسية من مقربين من الحريري او من شخصيات من 14 آذار وصلت الى حائط مسدود، ما جعل الحريري ينتقل الى المرحلة الثانية التي قد تكون حاسمة.
واذا كان الحريري قد تناغم مع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في اعطاء الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية، قبل الانتخابات النيابية، وهو ما رد عليه امس رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، فان الحريري قفز للمرة الاولى فوق اعتبار عون وجعجع مرشحين ممثلين للمسيحيين، ليطرح النقاش حول اسماء مرشحين توافقيين آخرين، تماما كما سبق لجعجع ان فعل، لكن خطوة الحريري تأخذ بعداً اوسع، على اعتبار الخلفية السعودية، ولانه تخطى فكرة الحوار الداخلي مع المسيحيين فقط حول رئاسة الجمهورية، ليطرح باب النقاش الرئاسي مع القيادات الاسلامية كحزب الله والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، بذريعة فشل الموارنة في الاتفاق على مرشح رئاسي واحد، على ان يتكفل بتسويق المرشح التوافقي المفترض مع حلفائه في 14 آذار.
لذا تترقب اوساط قوى 14 آذار انتقال الحريري الى الخطوة التالية بعد كلامه الاخير، لان اي «مبادرة» تحتاج الى تطبيق عملي، يبدأ بفتح قنوات الحوار التقليدية مع بري وحزب الله وجنبلاط. علما بأن الحريري صوّب على حزب الله في خطابه الاخير، ما يطرح علامة استفهام حول الاسلوب الذي يفترض به سلوكه لمقاربة الرئاسيات مع حزب الله. ولا سيما ان الحزب سيكون المعني الاول بالحوار مع عون في شأن اي مرشح توافقي مطروح على بساط البحث.
وهنا بيت القصيد. لان ثمة حلقة ضيقة من المرشحين التوافقيين الذين باتوا معروفين، والنقاشات حولهم باتت ايضا معروفة، في وقت توضع فيه لوائح بالنقاط الايجابية والسلبية التي يمتلكها كل منهم، ومن هي الجهات المحلية التي تقف وراءه والفيتوات التي توضع عليه، ومن هو الطرف الذي يضعها، لكن السؤال المركزي: ما الصفقة التي يمكن أن توضع على النار لاقناع المرشحين الاساسيين بان يتحولوا ناخبين اساسيين لاختيار الرئيس المقبل للجمهورية؟
حتى الان هناك مرشح اساسي يتحول تدريجا ناخبا اساسيا هو جعجع، منذ ان افشل انتخاب عون، واطلق مبادرته للتفاوض على اسم مرشح توافقي، الامر الذي نقله الى مرحلة اساسية ومتقدمة في مشروع البحث عن الرئيس العتيد. اما الاخرون، فلا يزالون مرشحين مع وقف التنفيذ، في انتظار بلورة الاتصالات التي يفترض ان تبدأ بعد عيد الفطر حول اسم مواصفات الرئيس التوافقي المقبل. وان لم تسلك مسارها الحواري المفترض فسنكون امام اربعة اشهر مفصلية مليئة بالتحديات الامنية والسياسية على السواء.