يصعب على لبنانيّ من خارج بيئة حزب الله، ويصعب أكثر على سوريّ ليس مرتبطاً بنظام الأسد، أن يجدا نفسيهما وهما يشكران حزب الله على شيء. فلذاك اللبنانيّ، هو الحزب المعطّل للدولة، المتّهم بأنّه ضالع باغتيالات قيادات وكتّاب وصحافيّين، ومقتحم عاصمة البلد ومُذلّ أهلها ذات مرّة. وهو لذاك السوريّ، البندقيّة التي استُدعيت لقمعه وقهره دفاعاً عن نظام احترف اللهو بدماء السوريّين.
لكنْ، مع هذا، أن لا يتورّط حزب الله في حرب غزّة، وألاّ يورّط اللبنانيّين في جحيمها فهذا تطوّر إيجابيّ يضع على الطاولة احتمال توجيه الشكر.
إلاّ أنّ الاحتمال المذكور لا يعني توجيه الشكر لأسباب متعدّدة.
فالحزب اتّخذ موقفه هذا بناء على رغبة إيرانيّة تلاقت هذه المرّة مع رغبة جمهور الحزب الجنوبيّ. وما يسمح بهذا الافتراض ليس فقط طبيعة العلاقة التي تربطه بإيران، والتي تجعل الرجوع إليها في المسائل الاستراتيجيّة الكبرى تحصيلاً حاصلاً. ما يسمح به أيضاً أنّ الحساب اللبنانيّ في حال وجوده كان ليستدعي الانسحاب من الصراع السوريّ، وليس فقط العزوف عن التدخّل في حرب غزّة.
والمؤكّد أنّ مثل هذا الحساب لا يزال غائباً كلّيّاً عن الحزب الذي يتكاثر قتلاه، ويتكاثر مقتولوه، في سوريّا.
ولأنّ هذا الحساب غائب، لا يخفي الحزب التدخّليّ حرجه بعدم تدخّله في غزّة، فيردّد الصحافيّون المقرّبون منه أنّ قياداته "تتابع باهتمام ما يجري" هناك، وأنّ عينها على القطاع، وسوى ذلك ممّا يوحي أنّ المقاومة (التي كفّت لحسن الحظّ عن المقاومة) ما زالت تقاوم. ومن هذا القبيل يشار، بسبب وبغير سبب، إلى الخدمات العسكريّة والفنّيّة والتدريبيّة التي سبق أن قدّمها الحزب لحركة حماس وجماعة الجهاد الإسلاميّ الفلسطينيّتين. ولا يخلو الأمر في البيئة الأكثر تصديقاً لخرافة المقاومة، كما رعاها الحزب وسهر عليها، ظهور انتقادات له لأنّه لم يتدخّل. فالذين لم يفهموا إحجام حزب الله عن انتقاد البطريرك الراعي لدى زيارته "الأراضي المقدّسة"، لا يريدون أن يفهموا إحجامه عن التورّط في حرب غزّة.
وللأسف يتعرّض الحزب لحملة من موقع آخر لا يأخذ عليه افتقاره إلى الحساب اللبنانيّ، بل يأخذ عليه "جبنه" الذي حال دون تدخّله. وهذا إنّما يذكّر بانتقاد بشّار الأسد لأنّه "لم يقاتل إسرائيل"، بدل انتقاده لأنّه استخدم القتال الانتقائيّ والمداور لها لتمكين سلطته واستبداده.
والحال أنّ النقد هذا يشارك أصحابه حزب الله افتقاره إلى الحساب اللبنانيّ، كما يشاركون بشّار الأسد افتقاره إلى حساب وطنيّ سوريّ، متمسّكين بجرعة من الثأريّة (فهم ضدّ الحزب أتدخّل أم لم يتدخّل) وبجرعة من الانتهازيّة (يحرجونه بـ"جبن" عدم التدخّل حين لا يتدخّل ويحرجونه بـ"كوارث" التدخّل حين يتدخّل).
وقصارى القول إنّ توجيه الشكر إلى حزب الله لا يجب أن يكون، من حيث المبدأ، مشكلة. لكنّ الشكر لا تكتمل أسبابه إلاّ عند ظهور سياسة لدى حزب الله تعبّر عن حساب وطنيّ لبنانيّ يملي اليوم الانسحاب من سوريّا، ويملي دائماً الانسحاب من كلّ صراع لا طاقة للبنانيّين عليه.