منذ أيام والعالم يتابع فصول مجزرتين تجريان في وقت متزامن من دون رفة جفن. مجزرة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة معظم ضحاياها من الأطفال والنساء والعزّل على عادة اسرائيل في اطلاق عدوانيتها ما دامت لا تخشى أي رادع دولي. ومجزرة تفوق ببشاعتها وبأبعادها الحضارية والإنسانية عدوانية الدولة العبرية وهي تلك التي يرتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" الأصولي التكفيري في تهجير المسيحيين العراقيين من الموصل احدى المدن الاخيرة الكبرى التي أفرغت منهم.
لا ندري ماذا نضيف من جديد اذا سألنا ألا يزال ثمة وجود لما كان يسمى المجتمع الدولي أمام هذا التخلي الفظيع والمفزع عن أي ردة فعل على ما يجري في غزة والموصل؟ وأي إيمان بالأمم المتحدة يبقى بعد هذا التقاعس المخيف عن التحرك الدولي؟ وإذا كان مفروغاً منه عدم توقع أي تحرك دولي فعال حيال اسرائيل لاعتبارات معروفة، فما الذي يبرّر للمجتمع الغربي تحديداً صمته المريب عن تجفيف العراق من مسيحييه وتهجير البقية الباقية منهم على يد "داعش"؟
لا يأخذنا الوهم هنا الى توقع ردة فعل دولية منسقة تغطيها الامم المتحدة لإنقاذ مسيحيي العراق، خصوصاً ان أميركا التي كان جيشها يحتل العراق وقفت متفرجة وكأنها غير معنية منذ بدأت مؤامرة تفريغه من المسيحيين. لكننا لا نملك إلا طرح تساؤلات عن هذا التخاذل الغربي والدولي وطبعاً العربي أولاً وأخيراً الذي لا يقل خطورة عن التمدد التكفيري الآخذ بجريرته المسيحيين والأقليات ضحايا أخطر مؤامرة على الحضور المسيحي في الشرق. أي خدمات أفضل تسدى الى طغاة مثل رئيس النظام السوري من تهجير المسيحيين على يد "داعش" الذي هو صنيعة الطغاة أساساً وهم يشاهدون التخلي الدولي كحليف للأصوليين التكفيريين؟ ولماذا يُلام بشار الأسد حين يتغطرس ويدّعي انه يحارب الارهاب وقت يتعاظم خطر الوصول الى يوم لا يبقى فيه مسيحيون في الشرق كله؟ فأين هو هذا العالم الحضاري التعددي الإنساني من أخطر ما يواجهه المسيحيون في الشرق؟ وهل يدرك المجتمع الغربي تحديداً معنى شرق من دون مسيحيين؟ وماذا عن العالم العربي أيضا وأولاً؟ أين الدول والمجتمعات والقوى الحية والحضارية لا ترفع الصوت؟ هل يعرف العالم الاسلامي ان انقراض مسيحيي الشرق يعني حرب مئة سنة مقبلة بين المسلمين والمسلمين بكل مذاهبهم؟ أم تراها الدول والأنظمة العربية تتعامل مع الظواهر الداعشية والأصولية كما تعاملت من قبل مع محنة فلسطين وبعدها لبنان ومن ثم العراق وسوريا وسائر بلدان الثورات الى ان صار الارهاب الأصولي الوحش الذي يهدد بالتهام الجميع؟
أترانا نبالغ ان انتظرنا مجرد أصوات عربية مؤثرة تقول إن الشرق ذاهب الى الجحيم اذا هُجِّر مسيحيوه؟!