دخل الرئيس سعد الحريري على خط التباينات القائمة بين نواب وقيادات تيار "المستقبل" حول العديد من المسائل، والتي بدأت تنعكس سلباً على نفوذ التيار وحضوره، وعلى قاعدته الشعبية التي بدأت في بعض المناطق بالانقلاب عليه، وبتوجيه الاتهامات إليه بالتخلي عن الذين دافعوا عنه.
وقد حرص الحريري خلال اليومين الماضيين على استدعاء بعض وزراء ونواب وقيادات "المستقبل" الى مقر إقامته في العاصمة السعودية الرياض، بهدف التشاور معهم في كيفية ترتيب البيت الداخلي، وإغلاق كل الثغرات التي تسمح للخصوم بتسجيل النقاط عليه، وبإعادة فتح القنوات بين بعضهم البعض من جهة، وبين كل منهم وبينه من جهة ثانية، بما يؤسس لمزيد من التواصل الذي يساعد على حل العديد من الإشكالات الطارئة قبل أن تستفحل كما هو حاصل اليوم.
وعلمت "السفير" أن الاجتماع الأول عقده الحريري مع وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي وضعه في أجواء عمل وزارته، وتعاون الأجهزة الأمنية ضمنها في مكافحة الإرهاب، والإنجازات التي تحققت على هذا الصعيد. وقد شدّد الحريري على "ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار وملاحقة كل المخلين بالأمن الى أي جهة انتموا، وعلى أهمية تفعيل التعاون بين كل مكوّنات تيار المستقبل، لأن المرحلة صعبة وتحتاج الى تضافر جهود الجميع".
أما الاجتماع الثاني فجاء طرابلسياً وعقد أمس الأول، فجمع وزير العدل أشرف ريفي، والنواب: محمد كبارة، سمير الجسر، أحمد فتفت، النائب السابق مصطفى علوش، ومستشار الحريري عبد الغني كبارة، وشدّد زعيم المستقبل خلاله (بحسب مطلعين على أجواء اللقاء) على "ضرورة التخلي عن التنافس الحاصل، والذي بلغ حدود الصراع بين قيادات المستقبل، والانتقال الى التكافل والتضامن والتعاون لمواجهة ما يمكن أن يتعرّض له التيار في طرابلس"، داعياً الحاضرين الى عقد اجتماع دوري اسبوعي يُصار خلاله الى معالجة التباينات الداخلية أولاً، والبحث في الأوضاع العامة سواء في طرابلس أو لبنان.
وأكد الحريري أنه سيكون على تماس مباشر مع هذه الاجتماعات لكي يشارك في النقاشات، ولكي يعيد قنوات التواصل مع كل القيادات الزرقاء بعد فترة الانقطاع القسري عنها وما تخللها من فتور.
كذلك فقد شدد الحريري على "ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار في طرابلس، والتصدي لكل محاولات الإخلال بالأمن، وعدم التهاون مع كل العابثين الذين يريدون إعادة عقارب الساعة الى الوراء"، رافضاً منطق قطع الطرقات، داعياً الى إيجاد معالجات عادلة للموقوفين، وإطلاق سراح من لم يثبت تورطه، مؤكداً أن "الأولوية تبقى للخطة الأمنية التي يجب أن تستمر في المحافظة على استقرار المدينة وفي تنشيط حركتها الاقتصادية والتجارية، لا سيما خلال شهر رمضان".
ودعا الحريري الحكومة إلى الإسراع في البدء بتنفيذ المشاريع التي أقرّتها لطرابلس، والى القيام باستدارة إنمائية تجاهها، مشدداً على ضرورة أن تقترن الخطة الأمنية بخطة إنمائية.
وأشار مشاركون في اللقاء الى أنهم لمسوا من الرئيس الحريري اقتناعه بصعوبة إجراء انتخابات رئاسية في المدى المنظور، "إلا إذا طرأ أمر ما على الصعيد الإقليمي"، فضلاً عن اقتناعه بتأجيل الانتخابات النيابية الى الصيف المقبل.
وبحسب المشاركين، فقد رفض الحريري تعطيل عمل مجلس النواب والحكومة، "من أجل تسيير شؤون الناس وعدم الركون للشغور الحاصل"، مشدداً على التمسك بالآليات الدستورية التي تمنح الحكومة صلاحية تسيير شؤون البلاد.
كما طرح خلال اللقاء موضوع العلاقة بين الحريري وبين رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، والتباينات داخل التيار التي نتجت عن المعلومات المتداولة بوعد الحريري لعون بدعم وصوله الى رئاسة الجمهورية.
وقد أكد الحريري على لاءات ثلاث هي: "لا قطع للاتصالات مع عون، ولا وعد له بدعمه، ولا إمكانية في الظروف الراهنة لوصول عون الى الرئاسة"، مشيراً الى أن "هذه اللاءات أعادت الأمور الى نصابها ضمن تيار المستقبل"، لكنه شدّد على ضرورة الاستمرار في التواصل مع عون لما في ذلك من مصلحة وطنية.
ويؤكد مشاركون في اللقاء لـ"السفير" أن أجواء اللقاء كانت إيجابية، لكن عودة الحريري الى لبنان ما تزال في علم الغيب.
ومن المفترض أن يلتقي الحريري مجموعة جديدة من نواب بيروت سوف يغادرون إلى الرياض في غضون الساعات المقبلة.