لم تحدث التطورات الأمنية التي تجتاح الساحتين المحلية والإقليمية "الصدمة" المطلوبة لدى القوى السياسية اللبنانية، ومن يراقب تصرفاتها يظن أنها تعيش في عالم آخر بعيد عن كل ما يجري، سواء كان ذلك على أرض الجنوب عبر الصورايخ"المشبوهة" التي تطلق باتجاه اسرائيل، أو في البقاع حيث يسيطر التوتر على الحدود اللبنانية-السورية، أو حتى داخل المدن المختلفة، لا سيما في طرابلس، التي من المتوقع أن تعود إلى الواجهة في الأيام المقبلة.
ما يجري يطرح أكثر من علامة إستفهام، لا سيما بالنسبة إلى حس المسؤولية الذي تتمتع به هذه القوى، خصوصاً أنه كان مطلوبا أن تبقى الأوضاع متماسكة بالحد الأدنى خلال هذه الفترة لحين مرور العاصفة التي تجتاح المنطقة بأقل قدر ممكن من الخسائر.
طوال الفترة السابقة، حتى ما قبل تشكيل الحكومة الحالية، كانت أغلب الأوساط تُصر على القول أن هناك قراراً دولياً يمنع إنزلاق الأوضاع على الساحة المحلية إلى المجهول، لكن ذلك لم يعد كافياً وحده، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة، حيث تشير إلى أن الخارج لا يستطيع أن يفعل أي شيء، بحال لم تخرج القوى الداخلية من حالة اللامبالاة التي تسيطر عليها، وتلفت إلى أن الواقع بات مخيفا جداً، لا سيما إذا ما فشلت الوساطات التي تحاول بعض القيادات القيام بها للخروج من الوضع المأزوم، خصوصاً رئيسي المجلس النيابي نبية بري و"اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط.
وتوضح المصادر نفسها أن الأوضاع على الصعيد الأمني لا تحتمل أي تصعيد، ومن الضروري أن تعمد السلطة السياسية إلى دعم الأجهزة الأمنية المستنفرة بشكل دائم بدل الدخول في مناكفات لا تجدي، خصوصاً أن أي خطوة خاطئة قد يكون من الصعب تجاوزها لاحقاً، وتلفت إلى أن من الواجب كان إجتماع مجلس الوزراء في أسرع وقت لاتخاذ القرارات الضرورية، لا سيما بالنسبة إلى الأوضاع المتفلتة جنوباً، حيث من الواضح أن هناك من يريد جر لبنان إلى مواجهة جديدة، بدل التلهي بالصراع على مراكز هنا أو هناك.
على هذا الصعيد، تشدد المصادر على أن جميع المعلومات تؤكد أن القوى الإقليمية والدولية لا تزال حريصة على الإستقرار اللبناني، لكنها تشير إلى أنها لا تستطيع القيام بأي شيء في حال لم يكن هناك من تعاون داخلي معها، وتدعو إلى الذهاب سريعاً لمعالجة الملفات العالقة التي من الممكن حلها، وترك تلك التي تحتاج إلى المزيد من الإتصالات والمشاورات إلى وقت لاحق.
وتشير المصادر إلى عدم وجود أي مؤشرات على قرب الخروج من حالة الشغور الرئاسي، لكنها تلفت إلى أن هذا لا يعني تعطيل العمل في مجلس النواب أو مجلس الوزراء، بل على العكس من ذلك من الواجب تفعيل العمل في هاتين المؤسّستين للتعويض عن الخلل القائم.
وتوضح المصادر أن الخطر الأكبر في هذه المرحلة يبقى بالتطورات الأمنية المتسارعة على أكثر من جهة، وبالتالي يجب الإستمرار بدعم الأجهزة الأمنية، خصوصاً أن موجة الهجمات الإرهابية التي نشطت مؤخراً لم تنتهِ بعد، ناهيك عن إمكانية إنفجار الأوضاع بقاعاً في أي لحظة.