عندما يُصبح الحاج وفيق صفا ضيفاً عزيزاً على وزارة الداخليّة، للتعاون في إنجاز خطّة أمنيّة، أو خطّة مناطقيّة، فهذا من باب تحسّب الواجب، والإقرار بالأمر الواقع. وعندما تصبح القوّة الأمنية الفلسطينيّة، ضرورة وطنيّة لبنانيّة لفرض الأمن داخل المخيم، فهذا من باب الشراكة في مواجهة الهمّ المشترك.
عندما يستعرض «حزب الله» سلاحه في البقاع تحت أنظار «داعش»، و»جبهة النصرة»، و»كتائب عبدالله العزام»، و»أحرار السنّة» لإظهار فائض القوّة، فهذا من باب إثبات الحضور والجهوزيّة.وعندما تطلق الصواريخ المجهولة من الجنوب في إتجاه فلسطين المحتلة بلا «إستئذان» حرّاس «الخط الأزرق»، فهذا يعني أنّ فوضى السلاح تُطبّق وفق شريعتها نوعاً من «الفدرالية الأمنية»، مقابل الأجهزة الشرعيّة.
هناك نقاط ضعف، ونقاط قوّة، والحسابات إستنسابيّة. فإذا كانت من زاوية الدولة المركزيّة، الطائف، النظام البرلماني، فإنّ الأمن في عهدة الفوضى الممسوكة بخيوط واهية. أمّا إذا كانت من زاوية نظام مختلف، فإنّ الفدرلة السياسيّة تتطلَّب فدرلة أمنيّة، وما يجري في السياسة يَسري على الأمن، وبقي على الممسكين بزمام الأمور في الخارج، وإلى حدّ ما في الداخل، توصيف المرحلة ليبنى على الشيء مقتضاه: هل هي الفوضى، أم بدايات مرحلة تأسيسيّة لنظام جديد نواته اللّامركزيّة الإداريّة القابلة للتطوّر الى لامركزيّة أمنيّة وسياسيّة؟
الخارج الممسك بخيوط اللعبة يعرف هويّة الصواريخ التي تطلق من الجنوب، وهويّة مطلقيها. هل هم عملاء لإسرائيل بهدف إستدراجها الى عدوان ضدَّ لبنان لصرف الأنظار عن المجازر في غزّة، والإنتقام من «حزب الله» المنشغل في القتال داخل سوريا، وداخل العراق، وعلى الحدود اللبنانية - السوريّة، مستفيدة من إنشغال طهران بالإتفاق النهائي مع الغرب، وبالضغوط التي تُواجهها في كلّ من اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، وغزّة؟
هل هم من المتعاونين مع «حزب الله» بهدف إستدراج إسرائيل الى معارك جانبيّة، والتخفيف من وطأة عدوانها على غزّة، وتغيير طبيعة النزاع في المنطقة؟ هل ينتمون الى فصائل فلسطينية بهدف زجّ المخيمات في تحدّيات جديدة محليّة وإقليميّة؟
يتمسّك المجتمع الدولي بالقرار 1701، ولا توجّه واضحاً لديه لتغيير قواعد اللعبة، وخير دليل تشبّثه ببقاء أكثر من 12 ألف جندي تابعين لقوات «اليونيفيل». إضافة الى ذلك فإنّ المجموعة الدوليّة الخاصة بدعم لبنان، متمسِّكة بدعم الجيش وخير دليل المؤتمرات المتتالية التي عقدتها، وآخرها مؤتمر روما.
لكن في المقابل، هناك «غض طرف» حيال الخروق التي يشهدها لبنان. فخطّ «الإستقرار الدولي» إهتزَّ سابقاً بفعل الأحزمة الناسفة والسيّارات المفخّخة، وها هو مرشح للإهتزاز في ظل الفوضى الأمنية التي يشارك فيها سوريّون، وفلسطينيّون، وإرهابيّون، وأصوليّون، وكوكتيل غريب عجيب من التنظيمات والفصائل المتعددة الإتجاهات والولاءات.
قد لا تصل الأمور الى فوضى عارمة، لكن من الصعب توفير الإستقرار في ظلّ الفساد الذي قوَّض الدولة والمؤسّسات، فضلاً عن أنّ الساحة مؤهلة دائماً لتلقّي التداعيات من العراق الذاهب نحو الفدرلة، الى سوريا الذاهبة بدورها نحو العرقنة، الى النفوذ الواسع لإيران في المنطقة، والقوى الأخرى التي تتحرَّك على وقع مصالحها.
وإذا كان الشرق الأوسط على خط الزلزال المذهبي الطائفي الفئوي الثقافي، فلبنان لن يكون معصوماً عن التداعيات، وفي ضوء الواقع الجديد سيكون النظام السياسي الجديد، وأيضاً النظام الأمني، والمؤشرات حتى الآن توحي وكأنّنا ذاهبون نحو الفدرلة الأمنيّة والسياسيّة... ولو بعد طول مخاض.