ألقت الأوضاع الاقتصادية الصعبة في قطاع غزّة بظلالها على أحوال الفلسطينيين في القطاع المحاصر منذ ثماني سنوات، إذ تستمر سلطات الاحتلال الاسرائيلي بإغلاق المعابر التي تدخل مستلزماتهم الضرورية، وتفتحها لأيام محدودة، وتمنع إدخال مواد البناء التي تعد المحرك الرئيس لعجلة الاقتصاد المحلي، إضافة إلى تفاقم أزمة عدم استلام رواتب موظفي غزة البالغ عددهم 40 ألف منذ ثلاثة شهور، ما جعل الأوضاع المعيشية بالنسبة لهم أكثر سوءًا خصوصاً مع بداية شهر رمضان المبارك.
ويأتي هذا الشهر الفضيل، في ظل حكومة توافق فلسطيني جديدة، ظلت غائبة طوال فترة الانقسام سبع سنوات حيث توقع الفلسطينيون أن تساهم في حل أزماتهم، وتحسين اوضاعهم المعيشية، في وقت تزداد سلسلة الغارات الإسرائيلية العنيفة التي تشنها الطائرات الإسرائيلية (*) بشكل يومي على أهداف مختلفة في مدن قطاع غزة، وسط تهديدات بشن عدوان على القطاع.
تجاذبات سياسية
ويقول بائع الخضروات عزات حمادة، إن الحركة الشرائية في السوق ضعيفة جداً، "وأصبحنا نعيش في حالة تجاذبات سياسية أكثر من قبل، خصوصاً بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني وإتمام المصالحة، لكن الحكومة غير قادرة على فعل شيء والمصالحة على حالها".
وفي حديث إلى "النشرة"، أوضح حمادة أن عدم استلام موظفي الحكومة السابقة في غزّة لرواتبهم، انعكس أيضاً على الحركة الشرائية في السوق، "فالوضع صعب والناس لا يتوفر لديها أموال كي تشتري على الأقل مستلزمات شهر رمضان الأساسية".
ولا تزال أزمة عدم صرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة البالغ عددهم 40 ألف مستمرة، واقتصر أداء حكومة التوافق التي أدت اليمين القانونية في مطلع حزيران الماضي، على صرف رواتب موظفي السلطة دون موظفي غزة إلى حين النظر في أوضاعهم الوظيفية وفقاً للجنة الإدارية والقانونية التي تشكلت ضمن اتفاق المصالحة.
غارات يومية
وفي نفس السياق، أوضحت إلهام بكري، وهي إحدى المواطنات اللواتي جئن للتسوق في سوق "الزاوية"، "إننا نعيش في حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي، نحن تأملنا بالمصالحة وتعلقت آمالنا في حكومة التوافق الوطني الجديدة، التي تمنينا أن تساهم في تحسين أوضاعنا المعيشية، لكن يبدو أن العكس هو ما يحدث فعلياً".
وتقول لـ"النشرة": أوضاعنا لم تتحسن وأصبحنا ننظر إلى المجهول، ناهيك عن القصف الذي تتعرض له غزة، لا يعلم بحالنا إلا الله".
غارقون في الديون
أما بالنسبة للموظف في الحكومة السابقة بغزة سمير اللوح، فيرى أنّ شهر رمضان على وجه الخصوص دائماً كان يشهد حركة شرائية قوية، وإقبالا شديدًا من المواطنين، لكنها هذا العام اقتصرت على شراء الاحتياجات الضرورية، في ظل أزمة الرواتب.
وفي حديث إلى "النشرة"، يقول اللوح وهو مهندس يعمل في وزارة الأشغال والإسكان، "أصبحنا غارقون في الديون، بفعل عدم تقاضي رواتبنا، أنا مديون بأكثر من 5 آلاف دولار، وأٌعيل أسرة مكونة من ثلاثة عشرة فرداً، ثلاثة منهم طلاب في الجامعات، لا أستطيع أن أوفر أقساطهم الدراسية، ولا حتى مستلزمات وحاجيات أسرتي".
ويوضح اللوح أن الحل للخروج من أزمة الرواتب الحاصلة، هي بين الفلسطينيين "لو صدقت نواياهم تجاه تحقيق مصلحة شعبهم وهي الأهم".
الحمد لله..
لكنّ الحاجة "أم أحمد" التي جلست على جانب الشارع الرئيس لسوق "الزاوية" وسط مدينة غزة، وأمامها حزم النعناع التي جهزتها للبيع، اكتفت رداً على سؤال عن أوضاع السوق بالقول: "الحمد لله".
أما الشاب محمد الحلو، الذي وقف أمام محله المخصص لبيع مستلزمات شهر رمضان، فاكتفى بالقول "البيع زي الزفت"، مضيفاً: "لا يوجد حركة ولا أناس تشتري، الكمية التي جلبناها هذا العام لا تساوي ربع كمية العام الماضي، والأسعار مرتفعة".
وفي حديث مع "النشرة" يردف الحلو: "شهر رمضان يأتي علينا كل عام أصعب وأصعب، آلاف العاطلين عن العامل، والوضع سيء والموظفون لم يتقاضوا رواتبهم، ماذا نفعل؟"
وفي ذات السياق، يقول الخبير الاقتصادي ماهر الطبّاع لـ"النشرة"، إن أكثر من 600 ألف شخص في قطاع غزة، أي ما يوازي نسبة 30 في المئة من عدد السكان الإجمالي، أصبحوا من دون دخل يومي، ونسبة الفقر ومعدلات البطالة ارتفعت بشكل كبير، إذ بلغت 41 في المئة، ومن المتوقع أن تزيد لتصل إلى نسبة 44 في المئة، ما يعني ارتفاعاً في عدد العاطلين عن العمل لأكثر من مئتي ألف عامل.
(*)تشن الطائرات الحربية الإسرائيلية خصوصاً من نوع (F16)، والطائرات المروحية "الأباتشي" غارات يومية عنيفة على مدن قطاع غزة، تتزامن مع أوقات الإفطار والسحور، وتقول "إسرائيل" إنها تأتي رداً على مقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل، فيما تزداد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بشن عدوان على قطاع غزة.