أرنست هيمنغواي لا يحتاج الى التعريف .فهو الكاتب الروائي والقصصي الاكبر شهرة والاكثر شعبية في العالم. ولا تزال اعماله الروائية والقصصية تُقرأ وتُترجم في جميع انحاء العالم. ولد في 2 تموز عام 1899 وتوفي منتحرا في 2 تموز عام 1961.
غلبت على اعماله النظرة السوداوية للعالم في البداية، إلا أنه عاد ليجدد أفكاره فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل للإنسان، وغالباً ما تصور أعماله هذه القوة، وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي، وفي جو من العزلة والانطوائية.
حصل بفضل روايته الشهيرة "العجوز والبحر" على جائزة نوبل في الأدب عام 1954وجائزة بوليتزر الأميركية "لأستاذيته في فن الرواية الحديثة ولقوة أسلوبه كما يظهر ذلك بوضوح في الرواية.
وتميز أسلوبه بالبساطة والجمل القصيرة، وترك بصمته على الأدب الأميركي الذي صار هيمنغواي واحداً من أهم أعمدته، وشخصيات هيمنغواي دائماً أبطال يتحملون المصاعب دونما شكوى أو الم، و تعكس هذه الشخصيات طبيعته الشخصية.
تعرض في طفولته إلى حوادث عدّة بسبب شقاوته، فقد تعثرت قدمه وهو يحمل عصا حين حاول القفز فوق ساقية، فسقط وانغرست العصا في عنقه، فأسعفه والده، وقد أُصيب بجرح خطير في حنجرته، وكان يعاني قصراً في نظره، ويرفض استخدام النظارة إلا بعد أن أصبح صحفياً ورمى سنارته وهو يصيد مرة فانغرست في عنقه، ومارس مع والده مهنة الممرض مساعداً والده، ودفعه حبه للتمريض فيما بعد إلى الالتحاق بعد دراسته الثانوية بجيش الثورة الجمهوري الإسباني.
بعد المرحلة الثانوية توسّط له عمه لدى المحرر الصحفي هنري جاسكل فألحقه محرراً متمرناً في صحيفة "كنساس سيتي ستار" واكتسب الشاب من عالم الصحافة خبرة كبيرة بالناس، وشؤون المجتمع والحياة، وكانت الحرب العالمية في نهايتها، فعارض أهله رغبته في الانخراط بالجيش.
وكان هدفه أن يختبر بنفسه تجربة ويلات الحرب، وأخيراً استقر رأيه أن يلتحق بالصليب الأحمر الأميركي، فذهب مع وحدته إلى مدينة باريس المهدّمة آنذاك، ثم إلى إيطاليا، وشهد بأم عينه مآسي الحرب. وفيما كان يوزع الهدايا على المصابين عام 1918، سقطت قذيفة ألمانية على المجموعة المحيطة به، فقُتل أحد الجنود، وبُترت ساق جندي آخر، وأعقب ذلك إصابته أيضاً بطلقة رشاش في أسفل ساقيه، فأخرج منهما أكثر من عشرين شظية.
وفي سنة 1920 تزوج هيمنغواي من سيدة تدعى هادلي ريتشاردسون ثم رحل إلى باريس حيث عاش من بعض مالها ومن إيراداته من المقالات التي كان يبيع للجرائد، وهناك بدأت مسيرته لكي يصبح كاتبا وروائيا، فتعرف على مشاهير الأدب والثقافة كجيرترود ستين، وشروود أندرسون، وإزرا باوند، وسكوت فيتزجيرالد وغيرهم من الأدباء والفنانين الأميركيين المقيمين بفرنسا، وقد وجد لديهم كل مساندة وتشجيع وتقدير لكتاباته مما جعل أندرسون وفيتزجيرالد يساعدانه على نشر مجموعته القصصية "في وقتنا" بالولايات المتحدة الأميركية سنة 1925
في عام 1926 نشر قصة عنوانها (سيول الربيع) متأثراً بالكاتب الروسي تورغينيف" وجعل لها وجهين: ظاهر يقوم على السخرية، وباطن عميق ينقد فيه عصره.
ثم أصدر كتابه النقدي بعنوان (إفساد الأميركيين) وعرّى فيه ضياع الشبان الأميركيين في ملاهي باريس، غير إنه مع ذلك لم يحقق ما كان يصبو إليه من المجد الأدبي، وإن كان قد برهن عن استقلاله الأدبي.
ومع صدور قصة (والشمس تشرق أيضاً) وقصة (وداعاً أيتها الحرب) حظي أرنست هيمنغواي بالشهرة، وبرهن إنه كاتب قصصي جاد، منح العملين قيمة تاريخية وجمالية، وضمّنهما كثيراً من المعاني الرمزية الخفية التي لم يتناولها النقد بالكشف والتحليل.
وفي عام 1936 عمل مراسلاً لصحيفة "تورانتو" في إسبانيا إبان الحرب الأهلية وتركها بعد عام...
وفي عام 1952 سقطت طائرته الخاصة في مجاهل غابات إفريقيا، أثناء قيامه برحلة صيد، فأُصيب بكسور بالغة، لكنه خرج من الغابة يحمل عنقوداً من الموز وهو يردد: (هذه هي الحياة، المصاعب طريقنا إلى النجاة..!). وفي مرتفعات "كليمنغارو" رافق متسلقي الجبال، فبدا وكأنه يهرب من وسطه وطبقته، وانتمائه البورجوازي، ويختار لحياته أحرج الطرق منذ أن كان طفلاً مشرّداً.
وكان أقرب في تصرفاته إلى الشخصية الشعبية الأميركية في ذرائعيتها والتصاقها بالحياة البسيطة والانسجام مع الذات وفعالياتها التي لا تعرف اليأس أو الملل، واعتدادها الفردي بالذات وتمسكها بالكرامة الإنسانية، مع انفعالية شديدة جعلته أقرب إلى النموذج الطموح، فوجد في عالم الكتابة مشروعه الإنساني الذي كافح طويلاً لتسنّم قمته، فخاض تجربته الأدبية خمسة عقود، وبنى أسسها على ما وفّر له الصحافة وتجربته الحياتية العنيفة من خبرات..
تعرض إرنست هيمنغواي لكثير من النقد بسبب تحلله الاجتماعي، وبخاصة النقّاد الذين يرون في الأدب رسالة لخدمة القيم الاجتماعية العليا. بينما دافع عنه نقاد آخرون رأوا أن مسؤولية الفنان تنحصر في تقديم الحقيقة من التجارب الإنسانية التي مرّ بها، فالكاتب كان أكثر إطّلاعاً بمسؤولية ما خبره وجرّبه وعاناه في عصرنا القلق الذي بدا وكأنه يسير نحو الهادية.. بعد حربين عالميتين..
ولعل أبرز النقاد الذين دوّنوا سيرة همنغواي الكاتب كارلوس بيكر، وقد رفض فيه النظريات التي ترى فيه إنساناً شريراً متحللاً يتعايش مع إنسان نقي، وقد أفاد من مسودات آثاره التي آلت إليه بعد رحيله.. أن هذه الازدواجية كانت ثمرة إحساسه بأن الإنسان مهدد بالموت قبل انهياره بوقت طويل، وهو إحساس لم يستطع الشفاء منه.
ويعزو بيكر حياة الكاتب العظيم إلى أعماله وحدها مؤمناً بنظرية موته.. ويتساءل إن كان هيمنغواي سيظل في نظر دارسيه كاتب قصص قصيرة أم يُعد من روّاد كتّاب الرواية الخالدين، فيعيد النقاد النظر في الأبعاد الرمزية لكتاباته التي لم تنل حقها من الدراسة..
يقول هيمنغواي: "أهيئ أغلب أعمالي في ذهني، ولا أبدأ أبدا في الكتابة قبل أن تكون أفكاري منظمة. وكثيرا ما أقوم بتلاوة نصوص من الحوار بالطريقة التي ستكون عليه عند كتابتها، إني أومن بأن الأذن هي أحسن مراقب وحكم. ولا أكتب أي جملة على الورق قبل أن أتيقن بأن الطريقة التي تم التعبير عنها ستكون مفهومة وواضحة تمام الوضوح للجميع".
ولما يتساءل همنغواي في مقدمة روايته: لمن تُقرع الأجراس؟ يجيب: إنها تُقرع لي ولك..
بقيت ذاكرته قوية لعقود طويلة، تتذكر قصة حبه الأولى التي لم تكلّل بالنجاح، والتي رفضت فيها حبيبته الاقتران به لأنها كانت تكبره بتسع سنوات، لذلك لم يجد من حل لنسيان "أغنيس فون كورفيسكي" سوى إطلاق رصاصة على رأسه في 2 تموز من سنة 1962 من خلال بندقية عاشت معه أغلب فترات حياته!
" لم أعد أحتمل !!.. إنها تلاحقني ليل نهار.. في عينيها الجميلتين نظرة عتابٍ مروعة.. لم تكن خائفةً مني !!.. كم كنت نذلاً.. لكنني لم أكن أقصد يا (آجي)!!.. أنتِ تعرفين أنني لم أكن أقصد." تلك كانت آخر كلمات الراحل لامرأة لم يفلح في إخراجها من ذاكرته رغم تزوجه بعدها بأربع نساء، هناك من قال إنه قتلها بعدما علم بخبر زواجها من غني إيطالي، وهناك من أشار إلى أنه التقى بها بعد زواجه، وبقي يراسلها كصديق.
قالت ناعومي وود التي اصدرت كتاب بعنوان "زوجات همنغواي" إنها تعتقد أنه "كان زير نساء ولا نفكر فيه كزوج. فهذا دور يتوارى أمام أدواره كصائد كبير للنساء وكصائد في أعماق البحار وكمُراسل يُغطّي الحروب."
واضافت الكاتبة البريطانية: "أريد أن أعرف تحديدًا ما كان يحدث ولماذا كان يحتاج الى وجود كل هذا العدد من النساء في حياته. حياته مليئة بالنساء وان كان من الرجال المولّعين بحياة الرجال".
أشهر اعماله:( ستشرق الشمس ثانية /1926،) ( وداعا للسلاح /1929،) (موت في الظهيرة/1932،) (لمن تدق الاجراس/1940،) (الشيخ والبحر/1952.) إضافة الى مجاميع قصصية كثيرة منها (في عصرنا/1925،) (رجال بلا نساء/1927،) (الفائز لا ينال شيئا/1933.).