ماذا في استطاعة الكنيسة أن تفعل لإخراج لبنان من أزمة الشغور الرئاسي عندما ترى العماد ميشال عون يطل على اللبنانيين بـ"مبادرة" أقل ما يقال فيها إنها تعجيزية في الوقت الحاضر ولإضاعة مزيد من الوقت ليستمر الشغور، وماذا في استطاعة بكركي أن تفعل عندما يرى البطريرك الكاردينال الراعي أن في رعيته ضالين ومضللين ولا شيء ينفع لإعادتهم إلى رشدهم وإلى ضميرهم، حتى أن الصلاة التي يدعو اليها لانقاذ لبنان قد لا تشفي من هم غير مؤمنين؟
لقد انتظر اللبنانيون أن يطل عليهم العماد عون بعد فترة هدوء وتعقّل بحل لأزمة انتخاب رئيس للجمهورية، وإذ به يطل عليهم بمشكلة خصوصاً في الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة، وفي ظروف يكفي ما فيها من مشكلات ولا حاجة إلى افتعال المزيد منها. ولماذا تذكّر عون فجأة اتفاق الطائف الذي لم يكن يطلب تغيير شيء فيه سوى "فاصلة"، وإذا به في ساعة تخلٍ يفتح باب تعديله على نطاق واسع ليس بزلّة لسان بل بنص مكتوب تلاه بهدوء وبوعي كامل وعقل "نيِّر" مقترحاً انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من المسيحيين ثم من جميع اللبنانيين لاعطاء انتخابه الطابع الوطني ظناً منه أنه هو الذي سيفوز بالرئاسة الأولى حتى لو جاء ثانياً في عدد الأصوات التي ينالها من المسيحيين لأن الصوت المسلم وتحديداً الشيعي يرجّح الكفّة لمصلحته كما رجّحها في الانتخابات النيابية لمصلحة مرشحي "التيار الوطني الحرّ" في غير منطقة، وعندها يقال إن رئيس الجمهورية الماروني فاز بأصوات الشيعة كما فاز مرشحون عونيون في الانتخابات النيابية بأصواتهم. فهل يكون الرئيس يمثّل عندئذ بيئته وطائفته تمثيلاً صحيحاً ويكون هو الرئيس القوي ولو بأصوات مستعارة قد تنقلب عليه في اي وقت عندما تقضي مصلحة أصحابها بها. وإذا كان ينبغي أن ينتخب رئيس الجمهورية الماروني من الشعب مباشرة، فلماذا لا ينتخب رئيس المجلس الشيعي ورئيس الحكومة السنّي من الشعب أيضاً علَّ الصوت المسيحي يكون وازناً كما الصوت المسلم في انتخاب رئيس الجمهورية وإذا كان العماد عون يدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب مباشرة، فما المانع أن يفتح ذلك الباب للمطالبة بالغاء الطائفية ليصير من حق مرشح أي طائفة أو مذهب الترشح للرئاسة الاولى، ولماذا يظل هذا المرشح مارونياً فقط ما دام أنه يأتي بأصوات المسلمين ولا مانع من أن تصبح الرئاستان الثانية والثالثة مفتوحتين أيضاً أمام مرشحين من كل المذاهب والطوائف، وتصبح الطائفة الأكثر عدداً هي التي تتحكّم بالنتائج فتنتقل البلاد عندئذ من حكم التعدّدية إلى حكم العدد أي حكم اللون الواحد والحزب الواحد والطائفة الواحدة؟
أضف أن العماد عون بطرحه هذه "المبادرة" السلبية والتي قد لا تخلو من المناورة، يناقض موقف بكركي التي تتمسك باتفاق الطائف وبالمناصفة ولا تمانع في إدخال تعديلات عليه تطوّره وتحسّنه ولكن بعد تنفيذه تنفيذاً دقيقاً كاملاً.
ولم يتذكر العماد عون في "مبادرته" اتفاق الطائف فقط بل تذكّر المشروع الارثوذكسي الذي ينام في أدراج مجلس النواب نومة أهل الكهف بعدما أثار هذا المشروع خلافاً بلغ حدّ الانقسام داخل 8 و14 آذار، ما جعل البطريرك الراعي يحسم ذلك برفض هذا المشروع الذي لا يجمع عليه المسيحيون الموارنة ولا الارثوذكس ولا الكاثوليك.
والسؤال المطروح الذي تختلف الأجوبة عنه هو: لماذا طلع العماد عون على اللبنانيين بهذه "المبادرة" وهو يعلم أنها ستكون مرفوضة؟ هل لتخيير قوى 14 آذار بين انتخابه رئيساً للجمهورية أو مواجهة طرح لا وقت للبحث فيه لأن الوقت مكرّس لانتخاب رئيس الجمهورية أولاً، ولا وقت للبحث في أي أمر آخر؟ هل طرح العماد عون "مبادرته" الفجّة كي يضيف مزيداً من الوقت الى الوقت الذي ضاع في حواره مع الرئيس سعد الحريري وفي إبقاء مرشح قوى 8 آذار مجهولاً وإن كان معلوماً ليستمر تعطيل جلسات انتخاب الرئيس بالقول ان نتائج الاقتراع فيها لن تتغير... ولماذا تحويل جلسات كهذه إلى مهزلة؟
هذا هو منطق الثنائي عون – نصرالله ومن معه. أما المنطق الآخر فيقول بعقد جلسات متواصلة إلى أن يخرج الدخان الأبيض كما كان يجري في كل انتخابات سابقة وكما يجري في انتخاب البطاركة والبابوات، فغربلة المرشحين تتم داخل الجلسات وبالاقتراع السري وليس خارجها ليبقى الباب مفتوحاً لتدخّل كل خارج ربما للعرقلة، ويبقى لبنان من دون رئيس يحميه وبلا رأس بل برؤوس تتصارع على حكمه، ويبقى البيت اللبناني بلا ربّ يبني، وعندما لا يبني الرب البيت فعبثاً يبني البنّاؤون...